القرآن الذي هو كلام الله؛ دليلٌ ومرشِدٌ للبشرِيَّةِ بأكملها، فيُمكِنُنا أن نُحقِّق في أنفسنا الشخصيةَ التي تُرضِي اللهَ عنَّا، وهذا بقراءة آيات القرآن، وضَبْطِ مَعِيشتِنا وفق هذه الآيات. ويُعتبَر هذا شيئًا سهلاً، غير أنَّ بعضَ الناسِ يَرتَكِبُون خطأ الانزلاق بعيداً عن القيم التي تُرضِي الله .وإذا ما حَدَث يوماً أن اِمتثل كُلُّ مَنْ حَولَكَ لِمَا يُريده الله، وتَمَسَّكوا بالقيم التي يَطلُبُها الله من الإنسان؛ فالدُّنيا سوف تُصبِح مكاناً أفضلَ بِكَثيرٍ مِمَّا هي عليه. ولْنَستعرض الآن باختصارٍ الصِّفاتِ التي يُرِيدُها اللهُ مِنَّا.
كلُّنا يعرف أنَّ الله خلق الإنسان، فاللهُ يعرِفُ أكثر مِن غيره ما هي الصفاتُ الحسنة، وما هي الصفات السيِّئةُ التي يمتلِكُها الإنسان. ويمكن لشخصٍ ما أن يخدع أُناسًا آخرين، ولكنْ لا يُمكِنُه أبداً أنْ يُخفِيَ شيئًا عن الله، ويرجع هذا إلى أنَّ الله - خلافًا لنا - يعرف الأفكارَ التي تدورُ داخلَ عقل الإنسان، وعلى الإنسان دائماً أن يكون مخلصًا وأمينا في تَعامُلِه مع الله سُبحانَه وتعالى .ويذكُرُ الله في إحدى آياتِ القرآن ما يلي :
(قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة آل عمران 29 )
(لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (سورة البقرة 284 )
والشخصُ الذي يُدرِكُ أنَّ الله يسمَع كلَّ كلِمةٍ ينطِقُها، ويعرِفُ كُلَّ فِعلٍ يقومُ بِه، ويطَّلِع على كلِّ فكرةٍ تخطُرُ بِعقله، لن يجرُؤَ أبداً على الإتيان بفعلٍ قبيحٍ، حتى وإن خَفِيَ عن غيره من الناس. وليكون المَرْءُ خيِّراً حقاً فعليه أن يُؤمِنَ إيماناً مُطلقاً بِوجود الله ووِحدانيته، ويعتَرِفَ بقُدرَتِه المطلقة، ويدركَ أنَّه يرى ويسمع كلَّ شيءٍ. ويُعتبَر هذا أحدَ الشروطِ المُسبقة لاكتساب القِيَم التي يُرِيدُها الله في عباده.
حبُّ الله والثقةُ به
إنَّكَ تعتَزُّ بالحُبِّ الذي يُبدِيهِ لكَ أبويك وتتعلق به، أليس كذلك؟ فكما أنَّك تُحبِّهما، فهُما يَحمِيَانِك ويُحِبَّانِك ويُلبِّيَانِ احتياجاتِك. وكما تَثِق في أبَوَيْك، فإنَّك تعلم أنَّهما على استعداد دائمٍ لِمُساندَتِك إذا صادفتَ صعوبات.
ولكنْ هل فكَّرت يوماً إلى أيِّ حَدٍّ تُحِبُّ اللهَ وتَثِق به؟
يُلَبِّي الله كلَّ احتياجات مخلوقاته التي خلقها. ويرجع الفضلُ إلى رحمة الله - التي لا حد لها - في عيشنا وسط هذا العالم بِسلام، ونتمتَّع بِنِعَمٍ لا حَصْرَ لها.
وخلق الله الشمسَ لِنتمكَّنَ مِن العيش على الأرض، كما خلق الخضرواتِ والفواكِهَ والحيواناتِ كُلَّها مِن أجلنا .ونحصل على الخُبزِ واللَّبَن واللَّحم، والعَدِيدِ مِن الخضرواتِ والفواكِهِ اللذيذة لأنَّ الله يَخلُقُها كُلَّها مِن أجلنا.
ويَخلُقُ الله المطرَ لِنحصُلَ على ماءٍ عَذْبٍ نَشرَبُه، ويخلق المحيطات التي هي مساحاتٌ هائِلَةٌ مُتَّصِلة مِن المِيَاه المالِحة. ولولا المطرُ لَمَا احتوت الأرضُ ماءً عذبًا أو مالحًا، والماءُ شيءٌ حَيَوِيٌّ بالنسبة لنا، وكما تعرف؛ فالإنسانُ لا يستطيعُ البقاءَ حيًّا دون ماءٍ إلا لأيَّام معدودة.
ووضع اللهُ داخِلَ أجسادِنا نِظَامَ المناعَةِ لِيَحمِيَنَا مِنَ المِيكرُوبات، ويَرجِعُ الفضلُ إلى هذا النظام، فَبِه تستطيعُ أجسادُنا مُقاوَمةَ ِتأثير الميكروب البسيط الذي يُسبِّب نَزْلَةَ البرد فلا نَمُوت .
وإضافةً لِمَا سبق؛ فإنَّ الله جعل قلوبَنا تَعمَل وتنبُض طِوال فترةِ حياتِنا، ولو كانت قلوبُنا تحتاج إلى راحة في فترات مُعيَّنة - مِثلَمَا تفعل الماكينات - لَكُنَّا قد مِتْنَا بالتأكيد. ولكنَّ قلوبَنا تنبُضُ لعشرات السنين دون تَوقُّفٍ أو راحَةٍ، بما يُمكِّنُنا مِن البقاء على قيْدِ الحياة.
وخلق اللهُ لنا الأعيُن لِنُبصِرَ بها، والآذانَ لِنَسمَعَ بِها، والأُنُوفَ لِنَشُمَّ بِها، والألسِنَةَ لنتذوَّق بها. وما سبق كُلُّهُ لا يُمثِّل إلا جزءاً يسيراً مِن النِّعم التي منحنا الله إيَّاها. ولا يُمكِنُنا حَصْرُ النِّعمِ التي منحنا اللهُ إيَّاهَا أو عَدُّها، ويُعَلِّمنا اللهُ الرحيمُ بنا هذه الحقيقةَ في إحدى آيات القرآن كما يلي:
(وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (سورة ابراهيم 34 )
وكما فَهِمتَ مِنَ القُرآنِ؛ فإنَّ عدمَ شُكرِ هذه النِّعَم، ونِسيانَ كَوْنِها مِن الله، وعدمَ شُكرِه على كلِّ شيءٍ فَعَلَه مِن أجلِنا , يُعتبَرُ سلوكاً سيِّئًا، والله لا يحب ناكري الجميل.
ولا يريد الله مِنَّا - في مقابِلِ نِعَمِه - إلا أن نُحِبَّه، ونعترِفَ بِفضلِه، ونَشكُرَه، ويأمُرُنا الله بهذا في الآية التالية:
(وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (سورة النحل 78 )
(فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (سورة النحل 114 )
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (سورة المؤمنون 78 )
وتذكُرُ لنا آيةٌ أُخرى أنَّ المؤمنين يُحِبُّون الله أكثرَ مِن أيِّ شيء آخر:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) (سورة البقرة 165 )
يَحمي اللهُ أُمَّك وأباك وكلَّ الناس، ويُطعِمُهم. ونحتاج كلُّنا إلى الله، فلا أبوانا ولا نحن قادِرُون على خلق النِّعم السابقِ ذِكرُها؛ ولهذا السبب يَجِبُ علينا أن نُحِبَّ اللهَ ونضع ثِقَتَنا فيه.
ويُعتبَر حُبُّ اللهِ أكثرَ مِن أيِّ شيء آخر، ووضعُ ثِقتِنا فيه، وتقديرُ نِعَمِه التي تفضَّل بِها علينا، يُعَدُّ مِن أهمِّ صفات الشخصية التي يَرضَى اللهُ عنها.
كيف نُعامِلُ الآخرين؟
يُحرِّم اللهُ على الناس التَّكبُّر وَالكَذِبَ والسخريةَ مِن الآخرين، الافتخار بالذَّات. ويأمُرُ الناسَ مِنَ الجانِب الآخر بالأمانةِ والتَّواضُع.
ويعيشُ بعضُ الأشخاص تحت تأثيرِ مَن حَولَهُم مِن الناس؛ فإذا كان لهم أصدقاءُ أشرارُ فإنَّهم قد يتأثَّرون بِهِم سَلباً .ولكنَّ الإنسانَ الذي يُؤمِن بالله، ويُدرِكُ أنَّه يراه دائماً، لا ينحرف عن السلوك القويم، مَهْمَا كان ضغطُ الظروف المحيطة. ويُصبِحُ هذا الشخصُ مثالاً جيِّداً لهؤلاء الذين يفتقرون إلى الأمانة ويميلون إلى إحداث الأذى.
ويُحِبُّ الله الصابرين الثابتين. ولا يعني مُصطَلَح الصبر في القرآن مُجرَّدَ الصَّبرِ في وجه المحن، ولكنَّه يعني الصبرَ في كُلِّ لحظةٍ مِن لَحَظاتِ عُمُرِ الإنسان .ولا يتغَيَّر ثباتُ الشخصِ المُؤمِنِ حَسْبَ الناس أو الأحداث .وعلى سبيل المثال؛ فإنَّ شخصاً قليلَ الخوف مِنَ الله يُمكِنُ أن يُحسِن إلى شخص آخرَ يَتوقَّعُ مِنه منفعةً، ولكنَّه لا يَثبُتُ على هذا الخُلُقِ الحَمِيدِ دائماً، فإنْ أحسَّ أنَّ مَصَالِحَهُ تتعرَّضُ للخَطَرِ، فيُمكِنُه أنْ يتغيَّر فجأةً .أمَّا الشخصُ المؤمِنُ، فإنَّه يتجنَّبُ السلوكَ السَّيِّءَ بِمُنتهى الحرص، ويتعامل مع الجميع بأدبٍ جَمٍّ وسُلُوكٍ مُمتاز، ويُلزِمُ نفسَه الاستمرار في سلوكه القويم، أيًّا كانت الظروف، وأيًّا كانت تصرُّفاتُ الآخرِين، حتى وإنْ غَضِبَ غضبًا شديدًا فإنَّه يتمكَّن مِن التحكم في نفسه، ومِن إظهار الثبات.
ويأمُرُ اللهُ الناسَ في إحدى آيات القرآن بالتنافُس في مجال الصبر، كما يلي:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (سورة آل عمران 200