الإنعام بالنبوة على سيدنا إبراهيم ( ع )إن المجتمعات والأقوام الذي أداموا وحافظوا على حضاراتهم ومدنياتهم لابد وأنهم تبلغوا برسالات السماء التي تدعو إلى معرفة الله وتوحيده وعبادته، والاعتراف بعظمته وعلو شأنه وقدرته وجبروته، والإيمان باليوم الآخر والحساب، وما يطلبه الرب من عباده من التزامات وواجبات ومهام. والقرآن أخبرنا عن هذه الحقيقة في الآية:
0 وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(36) ( النحل)
لقد اختار الله تعالى رسله وأنبياءه واجتباهم لما يتصفون به من خصائص ومميزات من دونهم من البشر. فهم فعلا مميزون عن محيطهم والناس من حولهم بقوة شخصياتهم وسمّو أخلاقهم آدابهم وتصرفاتهم التي تصلح بمجموعها أن تكون أمثلة للإقتداء. وكذلك فهم مختلفون عن أقوامهم المنحرفين عن جادة الحق والصواب، وميزهم نزول الوحي عليهم دون سائر الناس، ويقول فيهم القرآن الكريم:
( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا(163) ( النساء)
إن نزول وحي الله على الرسل والأنبياء وقيامهم بإبلاغ ما أوحي إليهم إلى الناس لطف ومنة من الله سبحانه. إذ بفضله توجه الناس إلى الهداية والإيمان وعرفوا معاني الأخلاق الحميدة وتعلموا العبادات وتفاصيل دين الله.
قال رسولنا الأكرم ( ص):
( إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليّ أبي وخليل ربي.) : ثم قرأ ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين أمنوا والله وليّ المؤمنين.)
ويخبرنا الله في القرآن عن تكليفه الرسل والأنبياء بإبلاغ الناس عن الصالحات من الأعمال:
( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ(73) ( الأنبياء)
لقد عاش الأنبياء حياة مثالية وقاموا بتبليغ رسالات الله وأوامره ونواهيه بكل أمانة وكمال صورة. متوخين نيل رضا الله ورحمته والفوز بنعيم جناته.
إن النبوة مقام شريف رفيع المكانة يستحقها من عباده من كان تقيا ومختارا من عند الله تعالى. وكانت النبوة من نصيب سيدنا إبراهيم ( ع) بعد اجتيازه امتحانا عسيرا وتجربة محددة. ويحدثنا القرآن عن هذا الاختبار في قوله تعالى:
" وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124) ( البقرة)"
وكما هو موضح في الآية، فإن سيدنا إبراهيم ( ع) قد اجتاز كل هذه الاختبارات بنجاح وأثبت كونه عبدا مطيعا لربه وأمينا على الالتزام بأوامره ونواهيه. ولعل هذه من صميم واجبات كل مؤمن أيضا، إذ عليه الاستجابة بشكل كامل وبصورة مطلقة لله تعالى وأوامره. ولنا من سيدنا إبراهيم ( ع) القدوة الحسنة في الإطاعة والتسليم الكامل لربه وبجميع مقدراته وأوامره دون أي تردد أو تماهل.
إن سيدنا إبراهيم ( ع) من عباد الله الصالحين والمختار لحمل رسالته إلى الناس كافة منذ سنين شبابه الأولى ( سورة الأنبياء 60) لما امتاز به من أوصاف ومميزات خاصة على قومه المشركين وكلفه لتبليغ دين الحق إليهم والى الناس أجمعين. وتخبرنا الآية الكريمة عن تكليفه بالوحي والنبوة:
( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54) ( النساء)
وتوضح الآية أيضا منحه " الكتاب والحكمة" لمن سيخلفه من صلبه من بعده.
وتخبرنا آيات أخرى عن نزول " الصحف" عليه:
( وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(17)إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى(18)صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى(19) ( الأعلى)
( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37)أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(38)وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى(39) ( النجم)
فقبل نزول التوراة على سيدنا موسى ( ع)، أنزلت " الصحف" على سيدنا إبراهيم ( ع) وفيها أسس وأحكام وقواعد دين " الحنيفية". وقد ورد عن سيدنا رسول الله ( ص) في هذا الخصوص:
" عن أبي ذر ( رض) قال دخلت على رسول الله ( ص) وهو في المسجد، فأغتنمت خلوته فقال لي " يا أبا ذر إن للمسجد تحية" قلت وما تحيته؟ قال " ركعتان تركعهما". قلت يا رسول الله هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟. قال " يا أبا ذر، ( قد أفلح من تزكى)... حتى بلغ ( إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى.). قلت يا رسول الله وما كانت صحف إبراهيم وموسى؟. قال " كانت عبرا كلها،: عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح! عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك! عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها! عجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب. عجبت لمن أيقن بالحساب ثم لا يعمل!".) (1)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
| يظهر من الخارطه أعلاه، مسار النبي إبراهيم ( ع)، رسم بخطوط متقطعة حمراء، على ضوء الحقائق التاريخية، حيث خرج من مدينة ( أور) وطاف في الأرجاء حتى وصل مكة المكرمة.
بقايا لأبنية سكنية ظهرت إثر الحفريات خارج أسوار مدينة( أور) الأثرية –2000 ق.م- ويقول المؤرخون أن إبراهيم ( ع) عاش في مثل هذه الدور السكنية الظاهرة هنا. |
1 الكتب الستة، أ.د.إبراهيم جانان، سورة الأعلى،860.