(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)
(سورة الأنبياء: 18)الكثير من الناس يعتبرون خطأً أن الدين ليس سوى عبارة عن مجموعة من الطقوس. فبعيدا عن مجرّد الطقوس يتناول الإسلام جميع نواحي الحياة. فالمؤمن المخلص الملتزم بدينه يجاهد لكسب رضا الله تعالى ويسعى للنجاة من الزيغ والضلال وذلك من خلال الالتزام بالعيش وفق القيم الأخلاقية القرآنية في كل لحظة من لحظات حياته. والمؤمن إذا أراد بلوغ هذه الدرجة عليه أن لا يحيد أبداً عن اتباع السلوك الذي يتسم بالحق والإخلاص والعدل والاحترام والرحمة، وباختصار عليه الثبات على قيم الحق. ولذلك فالمجتمعات التي تطبق القيم الأخلاقية للقرآن الكريم تتمتع بنعم كثيرة لا توجد عند غيرها.
فعلى سبيل المثال، لن تعاني الأسرة التي تعيش وفق القيم الأخلاقية للقرآن من المشاكل التي تتخبط فيها مجتمعاتنا اليوم. فالأطفال في عصرنا هذا غالباً ما يتمردون على آبائهم ويفشلون في التفريق بين الصواب والخطأ، ويقومون بأعمال عدوانية. و في الوقت نفسه هناك آباء لا يرون من الضرورة تعليم أبنائهم الخير، وهم لا يمدّون أبنائهم بالإرشادات والتوجيهات الصحيحة. وهؤلاء الآباء لا يستطيعون العيش بصورة سوية ومستقرة مع أبنائهم فتكثر المشاجرات والنزاعات وتغيب مشاعر الحب والاحترام وينعدم التفاهم.
وعلى النقيض من ذلك، تكون الأسرة التي تعيش ملتزمة بأحكام القرآن الكريم مترابطة مستقرة، فالأطفال يطيعون آباءهم ويبرونهم ويتجنبون نهرهم أو الإساءة لهم. و منذ الصغر يتعلمون اتباع أحكام الدين في كل صغيرة وكبيرة. كما يعمل الآباء جاهدين من أجل تربية أبنائهم وفقاً للقيم الإيمانية ومنحهم الإحساس بالمسئولية تجاه الناس والوطن. وعلى هذا النحو يصبح هؤلاء الأباء هم النماذج المثالية التي يقتدي بها أبناؤهم. وبكلمة جامعة تعيش جميع الأسرة في جو من الحب والاحترام والتّضامن.
الأسرة هي الوحدة الأساسية في بناء المجتمع، فالأسرة القوية المترابطة يقوى بها المجتمع، بينما الأسرة الضعيفة المحرومة من القيم الروحية مثل الحب و الاحترام والتضامن والولاء تكون نقطة ضعف في بناء الأمة. وهذا بصفة خاصة في بعض المجتمعات التي تنشط فيها دوائر الشرّ، وتسعى إلى إقامة مجتمع خال من أي عقيدة، فتتزايد عملية الإفساد الروحي ويظهر الانحدار الأخلاقي على جميع المستويات. ففي مثل هذه المجتمعات تقام العلاقات أساساً على المنافع المادية.
وعندما تطغى الاعتبارات المادية على أهمية القيم الرّوحية مثل الحب والأخوة و التضامن و التضحية والولاء يصبح تكوين أمة سليمة أمرا صعب التحقيق، ذلك لأن هذا الخراب لا يتوقف عند حدود الأسرة بل يتعداه إلى المجتمع بأكمله. فقيم الشر هي التي تسود مناحي المجتمع ومؤسساته المختلفة فينتشر الحسد والخداع و السخرية والنميمة بدل الحبّ والاحترام والتكافل. وبالتالي يكون من الصعب الدفاع عن حقوق المظلومين وإظهار العدل ونشر الرحمة بين الناس. وباختصار، فإن العيش في انسجام وسلام يصبح أمرا صعب المنال لأبناء هذا المجتمع.
ولهذا فمسئولية إلحاق الهزيمة بالتيارات اللادينية من الناحية الفكرية تقع على عاتق المؤمنين. فبالإضافة إلى تحطيم القيم الأسرية والعلاقات الإجتماعية هناك تأثيرات خطيرة أخرى نتجت عن التيارات اللادينية في كافة المجتمعات. ولهذا يجب على كل فرد أن يظهر معارضة جادة لتيارات الكفر والإلحاد إذا كان صادق الحب لبلاده وشعبه.
الأرهابيون هم نتاج الداروينيةتنتشر اليوم في جميع أنحاء العالم عمليات الإرهاب والمذابح والإبادات الجماعية، فيُقتل الأبرياء بوحشية كبيرة، وتتآمر البلدان على بعضها البعض، وينتج عن ذلك إشعال الحروب المدمّرة. وهناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تكون دافعًا لما يحدُث داخل الدول ذات التاريخ والثقافات والهياكل الاجتماعية المختلفة، والبحث الدقيق يبين أن هذه المجتمعات تعاني من انحدار روحي وقيمي كبير أحدثه الاعتقاد الخاطئ داخل هذه المجتمعات.
من الأساليب المهمة التي يعتمدها أصحاب نظرية التطور تدريب أعضائهم وفقاَ للآراء الداروينية. ومثلما مر بنا سابقا، فنظرية التطور تنكر الوجود الإلهي، ولا ترى ضرورة استشعار الشخص لأي مسئولية أو أيّ حساب أمام الله عز وجل يوم القيامة. فالشخص الذي يتشبع بآراء الداروينية يعتقد أنه حرّ بالكامل، وهذا ما يجعله ينحرف تماماً نحو أشكال مختلفة من سوء الأخلاق والقسوة وانعدام الضمير.
كما تساهم نظرية التطور في دعم الفوضى وإنعدام النظام، وتقدم الإنسان على أنه ليس سوى عبارة عن سلالة مقدمة من سلالات الحيوان، وبالتالي فإن الذين يعتقدون في الداروينية يرون أن فكرة قتل الإنسان مسألة بسيطة بساطة قتل أي حيوان آخر.
ولكن عندما يقتنع الناس بالشواهد الدالة على قدرة الله تعالى من القرآن الكريم وهيمنته على كل شيء سوف يكون من المستحيل عندئذٍ أن يخضعوا لتلك المناهج التي تنشر الشر والعداء في العالم وتزرع الحروب والفوضى و الكراهية. فالإنسان الذي يؤمن بالله ويعلم أنه سوف يحاسب يوماً ما على أعماله أمام الله عزوجل لا يمكن أن يلحق الضرر بشعبه وبلده. والإنسان الذي يخاف الله تعالى إلى حد الاعتناء بدقائق الأمور يتجنب كل عمل يغضبه سبحانه، كما يتجنّب كل فعل يمكن أن يقوده إلى العذاب في الآخرة. أما الإنسان الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ويرى أنه غير مسئول أمام أحد فيمكن أن يفعل الشر دون تردّد. يقول بديع الزمان سعيد النورسي واصفا أثر الأيدولوجيات والأفكار الإلحادية، وخاصة منها الشيوعية:
"نعم، إن الإشتراكية قد ظهرت عقب الثورة الفرنسية، وهي من ثمار الليبرالية. ثم بعد أن قامت الإشتراكية بالقضاء على بعض الأمور المقدسة بعينها، تحولت الأفكار التي رسختها إلى البلشفية. وبما أن البلشفية قد أفسدت الكثير من القيم الإنسانية والأخلاقية، فبطبيعة الأمر هي التي بذرت بذور الفوضوية التي لا تعترف بأي حدود ولا تحترم أية مقدسات. فإذا خلا القلب من الرحمة والعطف يصبح البشر عبارة عن وحوش شرسة ولا يمكن أبدا حكمهم بواسطة علم السياسات".
يحتاج المرء دائماً إلى أن يتذكر أنّ هؤلاء الذين يحرضون على قيام الثورات ضد بلدانهم وشعوبهم لا يختلفون كثيرا عن أولئك الذين يظلون صامتين أمام حركات الإفساد وبث الفرقة والشقاق ولا يفعلون شيئاً للمساهمة مع أوطانهم. فهدفهم الوحيد هو الحصول على أكثر المكاسب نفعاً، فهم لا يتضايقون ما دامت الأحداث الحاصلة حولهم لا تؤثر على مصالحهم الخاصة. هؤلاء أناس مجردون من تلك القيم مثل الأمانة والأخوة و التضحية والفضيلة. فسعيهم منصب من أجل تحقيق مكاسبهم وتلبية رغباتهم الذاتية. ويقول الله عزوجل عن هؤلاء الناس: (......................)
وكما ورد في الآية السابقة فإنّ الإنسان الصالح الذي يسير وفق النهج الذي رسمه الله تعالى ويخاف ربه ويولي القيم الإيمانية مكانة مهمة ويكون متحمساً لخدمة وطنه، فإنه بالتأكيد سوف ينعم بالخير ويسود الرخاء في جتمعه. ولهذا السبب من الضروري أن يتعلم الناس الدين الحقّ و يعيشوا في ظلال القرآن. ويصف الله تعالى هؤلاء الناس أصحاب الأخلاق الحميدة: (...............)
إن القضاء الكامل على مذاهب الإنكار أمر حتميّ من أجل إنقاذ شعوب العالم من ضنك الدنيا وعذاب الآخرة. ويتعين التأكيد أنه على جميع المؤمنين مسئولية القضاء على الإلحاد عن طريق توصيل رسالة القرآن إلى جميع الناس. فمن يقول مثلا "ما دمت مؤمنا لا يهمني في الآخرين وعليهم إنقاذ أنفسهم"، هذا الأسلوب ليس هو الأسلوب الأمثل الذي يتعين على المؤمن الصادق اتباعه. والآية التالية تحمل جميع المؤمنين المسئولية كاملة من أجل إنقاذ أنفسهم و أهليهم وذويهم والناس الآخرين لأن ذلك أمر من عند الله عزوجل:
وقد يطرح بعض الناس على أنفسهم أسئلة من قبيل" تُرى هل لديّ القدرة الكافية حتى أقاوم الإلحاد ؟" وهذا التساؤل فيه استنقاص للنفس من جانب، وهو من جانب آخر من وساوس الشيطان التي تدفع المؤمن إلى تضييع الوقت وتعيقه عن نشر رسالة القرآن. وكما سبق شرح ذلك، فإن محاربة الإلحاد تتطلب عرض بطلان فلسفات الإنكار والإلحاد وذلك بتقديم الدلائل العلمية القاطعة التي تفند مزاعم أهل الإنكار. و في مثل هذه الجهود المهمة يمكن لكل شخص أن يقدم شكلا معينا من الخدمات. والذين يكونون غير قادرين على المشاركة بصورة فعالة يجب عليهم على الأقل دعم الأفراد الذين عاهدوا أنفسهم على القيام بهذا العمل. فعلى سبيل المثال؛ إنّ توفير السبل الكفيلة بنشر الكتب و المقالات التي تتناول موضوع النضال ضد التيارات اللاإيمانية و شرح الأفكار الواردة في هذه الكتب ونشر الحقائق التي تفند هذه الاعتقادات الباطلة تُعتبر من بين الطرق لمكافحة تيارات الإلحاد والإنكار