توجد بعض العادات التي هي في الأصل سلوك يومي في المجتمع الجاهلي، مثل إلصاق التهم الباطلة ببعض الناس والتجسس على الآخرين، بمعنى السعي سرا إلى جمع معلومات لا أهمية لها عن الآخرين والغيبة والنميمة، أي التحدث سلبا عن الآخرين دون وجه حق. هذه الصفات مرتبطة ببعضها البعض لأن الغيبة مصدرها الظنون الباطلة، والجاسوس أيضا يعتمد على مجموعة من الظنون للقيام بعمله.
لقد حث القرآن الكريم المؤمنين على تجنب هذا السلوك الخبيث، يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم"ٌ ( الحجرات، 12 )
تبين الآية أن المؤمن يفكّر بعقلانية ورصانة، وهو يتجنب مثل هذا السلوك، ولا يسعى إلى جمع معلومات حول الأشخاص بنية إلحاق الأذي بهم. فالمؤمن لا ينطق بالكذب ويتلفظ بألفاظ تجرح شعور الآخرين أبدا، كما أنه لا يتبع الظن في تعامله مع الآخرين. ويجيب بالنفي إذا جهل معلومات تخص شخصا ما، ولا يتحدث إلا عن الجوانب الايجابية في ذلك الشخص. والمؤمن لا يقيم شخصا ولا يعطى وجهة نظره في شخص وهو غير متأكد من المعلومات التي يملكها حتى لا يقع في الغيبة والإفتراء. وقد أشار القرآن الكريم إلى الذين يفترون كذبا على النساء في قوله تعالى: "لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذا إِفْكٌ مُبِينٌ" ( النور، 12 ).
المؤمن الصادق لا يتحدث إلا بخير الحديث عن عائلته وأصدقائه والناس المحيطين به، ويحاول أن يعلم الناس التفكير السليم. لكن قد يخطأ الإنسان سهوا حينها عليه اللّجوء إلى الله لطلب الرحمة والمغفرة على ما ارتكبه من ذنوب في حق الآخرين.
تجنب السخرية
الناس الذين لا يلتزمون بالأخلاق القرآنية يقضون قسما هامّا من يومهم في السخرية والتهكم على الآخرين. والمجتمع الجاهلي يتخذ من نقائص الإنسان، أي أخطائه وعيوبه والجسدية وملابسه وفقره وقلّة فطنته وكلّ تصرفاته وطريقة كلامه، وباختصار كلّ شيء يتخذونه موضوع سخرية واستهزاء. وتكون السخرية بالكلام أو بحركات الأيدي أو بتبادل النظرات. والمستهزء لا يعبأ بشعور من يَستهزأ بهن لا يولي اهتمام لنفسيته لأنّ هدفه إرضاء غروره و نزواته. ( لمزيد من التفصيل أنظر كتاب هارون يحيى: ظلم السخرية) .
لقد حرم الله في كتابه الكريم السخرية وتبادل السّباب بين المؤمنين، يقول تعالى:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" ( الحجرات، 11 ).و يقول أيضا:
"وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ" ( الهمزة، 1 ). هكذا حذر الله المؤمنين من أنّ اتّباع سلوك السخرية يعقبه عذاب أليم في الآخرة. والقرآن الكريم لا يسمح بأي نوع من تبادل الألقاب بين المؤمنين لأنّ المؤمن يعلم أن الله وحده يهب الإنسان الجمال والذكاء والغنى والقدرة وما إلى ذلك من الصفات، لذلك على المؤمن أن يقابل ذلك بكلّ فرح وغبطة ليس إرضاء لنفسه بل إرضاء لله تعالى، فيتغلب على النفس الأمارة بالسوء، ولا يسمح للحسد والغيرة الدخول إلى عقله وقلبه. لذلك على المؤمن أن يكون بشوشا، إيجابيا، رؤوفا تجاه أخيه المؤمن.
إن العيوب التي يراها المؤمن في أخيه المؤمن هي اختبار من الله تعالى، لذلك وجب عليه أن يسترها وأن لا يكشفها أمام الملإ من الناس، بل بالعكس يحاول إصلاحها بأسلوب لين غير جارح للشعور.
إنّ أهمّ معانى السخرية تكمن في النظرة والكلمة التي يجب الحذر منهما بشدّة.