بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة اخلاص الدين لله
﴿ فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ﴾ الزمر 3،2
﴿ انا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ﴾ ص 46
﴿ وادعوه مخلصين له الدين ﴾ الأعراف29
﴿ فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون﴾ غافر14
﴿ وما أمِروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيِّمة﴾ البيِّنة 5
﴿ قل اني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ﴾ الزمر 11
﴿ قل الله أعبد مخلصا له ديني ﴾ الزمر 14
ان الذي يجعل الناس يخلصون دينهم لله في الحياة الدنيا هو اتّباع الناس للحق ، ذلك أن الخالق سبحانه وتعالى جعل في ا لنفوس البشرية حب الدنيا واتّباع الهوى وجعل لها الشيطان يوسوس لها من خارجها مزيّنا لها الدنيا والهوى ، فكانت هذه تمثل قوى الشر لدى النفس البشرية الدنيا والهوى من داخلها والشيطان من خارجها 0وكذلك جعل الخالق سبحانه وتعالى في النفوس البشرية الفطرة والعقل وأنزل لها هداية تأتيها عن طريق الرسل من خارجها تحاكي الفطرة وتخاطب العقل ، فكانت هذه تمثل قوى الخير لدى النفس البشرية الفطرة والعقل من داخلها ووصول الهداية لها تأتيها من الله عز وجل عن طريق الرسل من خارجها ﴿ ونفس وما سوّاها ¤فألهمها فجورها وتقواها ¤قد أفلح من زكّاها ¤وقد خاب من دسّاها ﴾ الشمس7_10
﴿ ان سعيكم لشتّى ¤فأما من أعطى واتَّقى ¤وصدَّق با لحسنى ¤فسنيَسِّره لليُسرى ¤واما من بخل واستغنى ¤وكذَِّب بالحسنى ¤فسنيَسِّره للعُسرى ﴾ الليل 4_ 10
هكذا خلق الله النفس البشرية في الحياة الدنيا تتجاذبها قوى الخير والهدى والفلاح من جانب وقوى الشر والضلال والخسران من الجانب الآخر ، والذي طلبه الله من الانسان في الحياة الدنيا هو أن يغلّب بفطرته وعقله وو صول الهداية من الله اليه جانب الخير والهدى والفلاح في نفسه على جانب الشر والضلال والخسران في نفسه وأن لا يغلّب بحبه للدنيا واتّباعه للهوى واستحواذ الشيطان عليه جانب الشر والضلال والخسران في نفسه على جانب الخير والهدى والفلاح في نفسه 0فالمطلوب من الانسان هو الانحياز الى الحق والعدل والصواب في نفسه على حساب الباطل والظلم والخطأ في نفسه ، والمطلوب من الانسان هو الميل الى الله والحق والدين في نفسه على حساب الشيطان والباطل واللهو في نفسه 0
وبذلك يكون الانسان قد أخلص الدين لله ، ونفى عن نفسه من أن يشرك مع الله في نفسه شيئا أو أحدا ، وحقق في نفسه حكمة الله البالغة من خلقه انسانا ، وهي العبودية الحقة لله ، يعبده لا يشرك به شيئا أو أحدا ، ولا يُشغل نفسه بسواه0 وهذه هي محور رسالات الله يبلّغها بني الانسان عن طريق الرسل ومحور هدايته لهم الى الصراط المستقيم والدين القويم ، فمن تحرَّى منهم الرُّشد واتّبع الرسول مسلما معه لرب العالمين وكان حنيفا مائلا الى الله والحق والهدى ولم يكن من المشركين كان في الحياة الدنيا من عباد الله المخلصين وكان مع زمرة الأنبياء والمرسلين يوم الدين 0 فكذلك هم الذين اتّبعوا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا معه وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، وكذلك هم الذين اتّبعوهم باحسان من أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى يوم الدين ، ومن سوى هؤلاء من الناس كانوا في الحياة الدنيا في ضلال مبين ﴿ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ﴾ الاسراء72
﴿ قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم دينا قيِّما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين ¤قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ¤لا شريك له و بذلك أمِرتُ وأنا أول المسلمين ﴾ الانعام 160-163
وهكذا فان الذي يجعل الناس يخلصون دينهم لله هو اتّباع الناس للحق ، فما دامت هداية الله واصلة منه الى الناس ، وما دامت فيهم الفطرة والعقل لا ينفكّا عنهم في الحياة الدنيا ، فان سنّة الله في اتّباع الناس للحق ماضية فيهم ما شاء الله لها أن تكون ، فلا تتخلّف عنهم الا بضياع رسالات الله ، وان ضياع الرسالات يعني ضياع الحق مما يحول دون اتّباع الناس للحق ، ولذلك قال الله تعالى ﴿ وما كنّا مُعذِّبين حتى نَبعث رسولا﴾ الاسراء 015
الاّان الله عزّ وجلّ تعهّد بحفظ خاتمة رسالاته الى بني البشر من أن تضيع الى يوم الدين ، فهي رسالة الاسلام والدين الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة 0
﴿ قل يا أيها الناس اني رسول الله اليكم جميعا﴾ الأعراف158
﴿ وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ سبأ28
﴿ وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ﴾ الأنبياء107
﴿ انا نحن نزَّلنا الذِّكر وانا له لحافِظون ﴾ الحجر9
لكن تعهُّد الله تعالى بحفظ رسالة الاسلام من الضياع لم يكن ليمنع مع مرور الزمن عليها أن تعتريها عوامل التغشية والتعتيم عليها ، فلا تعود واضحة الفهم، سهلة التطبيق ، يسيرة المنال ، بل تصبح غامضة الفهم ، معقّدة التطبيق ، عسيرة المنال ، فلا تعود الأمة حينئذ قادرة على فهمها واحسان العمل بها وتطبيقها ، مما يستدعي بالضرورة عقلا تجليتها وازالة ما اعتراها من عوامل التغشية والتعتيم عليها ، أي تجديد فهمها وتيسيرها على الناس فتحسن الأمة العمل بها وتطبيقها 0 وقد أقرّ النقل ما قرّره العقل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدّد لها أمر دينها ( عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدّد لها دينها ) رواه ابو داود والحاكم والبيهقي فعوامل التغشية والتعتيم هذه لا تُعتبر ضياعا لرسالة الاسلام ما دام تجديد الفهم لهذه الرسالة وتيسير العمل بها قائما في الأمة الى يوم الدين ، فيكون هذا التجديد للفهم والتيسير للعمل برسالة الاسلام في أمة النبي صلى
الله عليه وسلم الى يوم الدين داخلا في معنى قوله تعالى :
﴿ انا نحن نزّلنا الذِّكر وانّا له لحافظون ﴾ الحجر 9
وبما أن رسالة الاسلام لا تضيع الى يوم الدين _ بهذا الوصف وعلى هذا الاعتبار _ فان الحق لا يضيع الى يوم الدين مهما حاول أهل الباطل جاهدين التغشية والتعتيم عليه بتأويل علماء السوء كلام الله وافتراء الكذب عليه وجدال المنافقين في آيات الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وجدال الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق متخذين آيات الله ورسوله محمدا هزوا ، ومخالفة أهل الدنيا والهوى لما تهدي اليه الفطرة ويرشد العقل اليه ، وهجر الأمة قرآن ربها والصدّ عنه ، ومحاربة أكابر مجرميها ومترفيها ربها ونبيها ودينها وما أدلى اليه 0
﴿ وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وان كان مكرهم لتزول منه الجبال ¤ فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ان الله عزيز ذو انتقام ﴾ ابراهيم 46، 47
﴿ قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ النحل 26
﴿ ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ﴾ النمل 50
﴿ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ﴾ الأنفال30
﴿ ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ﴾ آل عمران 54
﴿ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ﴾ التوبة 32
﴿ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾ الصف 8
ففي الاسلام لا يزال الناس يتّبعون الحق اذا هم وجدوا من يجليه لهم وينقّيه من الأدران والمفاسد التي علقت به فيخلصون دينهم لله باتّباعهم له 0فكان أول ما يُبدأ به من التجلية وتجديد الفهم هو محور هدايتهم الى الصراط المستقيم ألا وهو حقيقة اخلاص الدين لله0 ذلك ان اخلاص الدين لله الذي هو محور الهداية الى الصراط المستقيم انما هو الدين الحنيف المائل الى الله والحق والدين في النفس البشرية على حساب الشيطان والباطل واللهو في النفس البشرية ، وأيضا انما هو بتغليب الفطرة والعقل ووصول الهداية من الله لدى النفس البشرية على حب الدنيا واتباع الهوى ووساوس الشيطان لدى النفس البشرية ، فلا بد له حتى يتحقق في النفس البشرية من شقين أولاهما : مجاهدة النفس في طاعة الله ورسوله وهجرها ما نهى الله عنه ورسوله ، وهو يعني في النفس البشرية محاربة الشيطان والباطل واللهو والدنيا والهوى وهو ما تقرره حقيقة ابتلاء الله للانسان في الحياة الدنيا وفتنته له عن الايمان والهداية فيها ، فذلك من سنن الله في خلق الانسان منذ أن خلق الله آدم عليه السلام الى أن تقوم الساعة
﴿ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ﴾ الملك 2
﴿ وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾ هود 7 0
﴿ انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ¤وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جُرُزا ﴾الكهف 7، 8 0
﴿ كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا تُرجعون ﴾ الأنبياء 35
﴿الم ¤أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ¤ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ﴾ العنكبوت 1_ 3
﴿ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾ آل عمران 179
فكان لا بد للنفس البشرية من مواجهة هذه الأشياء فيها ومحاربتها الشيطان والباطل واللهو والدنيا والهوى ،فعلى قدر ادراك الانسان لحقيقة الابتلاء والفتنة هذه يكون في مواجهة مع نفسه التي تحتم عليه مواجهة هذه الأشياء فيها ومحاربتها 0
﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ﴾ العنكبوت 69
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) زاد المعاد
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حُفت النار بالشهوات وحُفت الجنة بالمكاره ) رواه مسلم
وبمقدار مواجهة الانسان ومحاربته لهذه الأشياء في نفسه يكون مائلا الى الله والحق والدين والفطرة والعقل في نفسه، فينتقل الانسان في نفسه الى الشق الثاني الذي يحقق له اخلاص الدين لله بشكل حتمي وطبيعي بالميل في نفسه الى الله والحق والدين مغلّبا بذلك الفطرة والعقل والهداية التي وصلته من الله تعالى على الشيطان والباطل واللهو والدنيا والهوى في نفسه 0وهذا الشق الثاني هو فرار الانسان الى الله معتصما ولائذا ومستعينا به في مواجهة ومحاربة الشيطان والباطل واللهو والدنيا والهوى في نفسه ، ليكون بذلك مخلصا دينه لله سائرا في طريق الهداية الى الصراط المستقيم 0
﴿ ففرّوا الى الله اني لكم منه نذير مبين ﴾ الذاريات 50