إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
فإن هذا القرآن عظيم عجيب، كذلك قالت الجن إذ سمعوه، إنا سمعنا قرآنا عجبا" لجن 1، وهو بحمد الله حبل الله المتين الذي يهدينا به ويعصمنا به. فليس بيننا -مع كل ما نلاقيه من الفتن والبلاء- ليس بيننا رسول يبين لنا ويرشدنا، ولكن بين أيدينا كتاب الله "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" النحل 89.
وهذا القرآن -كما يصفه رسول الله- كالغيث الكثير، ينزل كلما تموت الأرض ويجدب الناس، فيحيي بعد موات ويغيث بعد فوات، "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون * اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون" الحديد 16-17، فهذا هو مثَل القرآن، كالماء ينزل بعد القسوة والموت فيحيي ويعيد.
لهذا يجب على المسلمين كافة أن يقرأوا واقعهم بتدبر كتاب الله، لا من الصحف والمذياع وحسب، "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا * وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم". النساء 83
كيف نقرأ واقعنا من كتاب الله؟
فإن كتاب الله فيه المحكم والمتشابه والأمثال التي يصرّفها الله في الكتاب تصريفا يناسب أحوالهم وأمورهم ومستجداتهم، كما يصرّف الرياح لينزل الماء مصرّفا حيث يحتاج إليه الناس. "ولقد صّرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل" الكهف 54، و"كذلك يضرب الله للناس أمثالهم" محمد3. فلا شك ضرب الله لنا مثلنا ومثل ما نحن فيه من الهوان والاستضعاف، ومثل ما فيه عدونا من الاستكبار والظلم والفساد.
فإذا استطعنا أن نجد مثلنا في القرآن استطعنا أن نحدد موقفنا ونبصر موقعنا في الفتن التي كقطع الليل المظلم، فالقرآن نور وبرهان، والقرآن مليء بالأمثال الحية النابضة، التي جعلها الله عبرة للناس، "لقد كان في قصـصهم عبرة لأولي الألباب". يوسف
فأين مثلنا إذا؟
لن يجهد أحد في البحث عن مثل هو كعين الشمس في الوضوح، فما يجري على ألسنة الناس اليوم من أن أمريكا اليوم قد "تفرعنت" وتكبرت، وصف ومثل ليس بعيدا عما نبحث عنه، فنحن دون تكلف نشبه أمريكا بفرعون بظلمه وعدوانه وفساده.
فهذا هو مثلنا بوضوح وجلاء وهذه قصتنا بالتفصيل!
أمريكا مثل فرعون الظالم المفسد الذي علا في الأرض واستضعف المؤمنين واستعبدهم.
وسورة القصص تقص علينا ماضيا وقع وانقضى وواقعا حاضرا يتكرر معنا مرة أخرى.
"طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون * إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ُيذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من الفسدين * ونريد أن نَمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونُمكّن لهم في الأرض ونُريَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون". القصص 1-6
والمتتبع لوصف فرعون في هذه الآيات يذهل للتطابق بينه وبين أمريكا وعلوها وفسادها في الأرض وتقتيلها للمستضعفين من المؤمنين في الأرض عامة وفي أفغانستان خاصة.
والمتدبر لهذه السورة يلاحظ فيها إشارة خفية ل"التثنية" والزوجية، فموسى فيها وجد "رجلين" يقتتلان، ووجد "امرأتين" تذودان، واتفق مع الرجل الصالح على "أجلين"، وفيها فقط من دون كل السوراسم الإشارة للمثنى"ذنك"، وآتاه الله فيها "برهانان"، وقال قوم فرعون "سحران تظاهرا"، ثم تختتم التثنية بنص صريح الدلالة "أولئك يؤتون أجرهم مرتين".
فهل لنا أن نفهم من هذا أنها قصة تقع مرتين؟!
هل بالضرورة أن تجري الأحداث كما جرت في المرة الأولى؟
هذا ما يقرره القرأن ويؤكده، فالله قد خلق هذا الكون على سنن وقوانين لا تتبدل ولا تتحول، وصرّف أمور الناس بهذه السنن. "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين" آل عمران. و"استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، فهل ينظرون إلا سنّة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا". فاطر 43
فكونها لا تتبدل ولا تتحول إشارة إلى التطابق والتماثل، فسنه الله أن يهلك الظالم، فإذا لم يهلكه فقد تبدلت سنته، وإذا أهلكه على غير ما أهلك أمثاله فقد تحولت سنته، "وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبّرنا تتبيرا". الفرقان 39
ولقد أخبرنا الله في كتابه عن أمم كذبت وعصت فأهلكها وجعلها مثلا، وضرب لها الأمثال.