وفي هذه المنطقة المليئة بالفساد، لم يخفف الاستقلال، الذي حصلت عليه البلاد في عام 1960، سوى قدر ضئيل من الضغوط السياسية التي تمارسها الدول الغربية الإمبريالية. وفي عام 1964، استولى جوزيف موبوتو، المدعوم من الولايات المتحدة، على مقاليد الحكم وجعل كل الموارد الطبيعية لبلاده في متناول يد أمريكا. ولم يضع موبوتو أي خطط للمساهمة في تحقيق الرفاهية لشعبه، واكتفى بجمع ثروة شخصية على مدى السنين ولجأ إلى الإجراءات الاستبدادية لكبت متطلبات شعبه. وعندما وصل معدل التضخم في البلاد إلى ذروته، 6000%، اندلعت صدامات كبيرة بين القبيلتين المهيمنتين في المنطقة. ونتجت عن هذه الحرب القبلية إبادة جماعية واسعة النطاق خلفت وراءها نحو مليون قتيل. وقاسى آلاف المهاجرين من محن رهيبة في الغابات، وفي النهاية لقي معظمهم حتفه بسبب الجوع والأوبئة. كما ذبح الأبرياء، لا لشيء إلا لأنهم كانوا من قبيلة مختلفة، وحتى الرضع والأطفال الصغار لم يسلموا من القتل.
نتيجة لسوء التغذية، يموت أكثر من ثلث سكان زائير بينما يعاني أطفال كثيرون من تلف دائم في المخ. ويعيش إجمالي السكان البالغ عددهم ثلاثين مليون شخص، نصفهم من الأطفال، في أكواخ طينية متضورين من الجوع.
قاوم أربعمائة ألف لاجئ الموت لمدة ثلاث سنوات في معسكرات اللاجئين في ظروف بدائية وقاسية على الحدود الزائيرية. وأصبح الجوع جزءا من الحياة اليومية، كما أضاف انتشار مرض الكوليرا مؤخرا مزيدا من البؤس إلى حياة اللاجئين في تلك المعسكرات. إذ لا يحصل هؤلاء المعدمون على أي معونات، وحتى إن وجدت هذه المعونات، يصادرها الجنود. وفي غضون ذلك، لا يمكن للمرء أن يتخيل قبيلتَي الهوتو والتوتسي، اللتين قاتلتا بعضهما البعض بشكل وحشي، وهما تقتسمان المعونات القادمة بسلام. وقد مات في مدينة جوما الزائيرية وحدها ما لا يقل عن عشرة أطفال رضع في كل ساعة بسبب مصادرة المعونات الطبية.
وفي أغلب الأحيان، عندما تنتهي الحروب بين الأجناس، أي "حمية التعصب" المذكورة في القرآن، تخلف وراءها مشاهد مروعة لمذابحها. ويلفت المولى عز وجل انتباهنا إلى "حمية التعصب" التي سادت في الجاهلية على النحو التالي:
"إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا." (سورة الفتح: 26)وسواء كان ذلك في أفريقيا أو في أي جزء آخر من العالم، فقد كشفت الحركات العنصرية عن هذا الجانب المظلم من الكفر، الذي لن يتسنى التخلص منه كليا إلا من خلال العيش وفقا لمبادئ الدين القويم وحث الناس على طاعة أحكامه.