أي سياسة جديدة يتم اتباعها في الجامعات يثبت في الغالب أن ضرره أكثر من نفعه. وينتج ذلك عن موقف الجماعة، لأن الجماعة لا تدافع عن الصواب والخير. ومن ناحية أخرى، ستجد مجموعة أخرى تفضل التزام الصمت وتكتفي بتجاهل هذه الأحداث بدلا من دعوة الناس إلى السلوك القويم، ونصحهم بالحفاظ على ولائهم لدولهم والابتعاد عن التمرد. وفي غضون ذلك، تظهر جماعات أخرى بحقدها وعدائها وتمشي في مسيرات وتحمل الشعارات، والأحجار، والعصي لتكشف عن نوع آخر من الاضطهاد والإرهاب. ومع ذلك، لم تسفر جهودهم عن أي فائدة؛ ذلك لأنهم لا يؤيدون القيم التي أوصانا بها الله سبحانه وتعالى، بل يمارسون كل أنواع السلوكيات التي لا تتماشى مع القرآن. وفي إحدى آياته جل جلاله، يصف الله جهود الكفار في هذا العالم بأنها تضيع سدى:
"مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ."
(سورة إبراهيم: 18)وتوجد بلا شك سبل تستطيع البشرية من خلالها أن تتجنب مثل هذا الوضع، وتتمثل هذه السبل في: التأكد من عدم تحول البشر إلى أشخاص لا يهتمون إلا بعيش حياتهم وسد احتياجاتهم. ولتحقيق هذا الغرض، يجب أن يشجَّع هؤلاء الأشخاص على أن يصبحوا أفرادا يسعون إلى خدمة غيرهم من الناس ومعالجة لا مشكلاتهم أو مشكلات بلدانهم فحسب، بل مشكلات العالم أيضا. ويبين الدين الذي اختاره الله سبحانه وتعالى للناس وأظهره لهم في القرآن الكريم هذا المقصد الأساسي:
"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ."
(سورة الروم: 30)لقد شرع الله، خالق الإنسان، الدين ليناسب الإنسان إلى أقصى الحدود ويضمن له أقصى درجات السلام والأمن. ومن ثم، لا يمكن لأي فلسفة أو أيديولوجية من أي نوع كان، باستثناء الدين، أن توفر الكمال والسعادة التي يبحث عنها الناس. ولهذا السبب، يجب أن نوضح لأنصار الأفكار الخاطئة سبب خطأ أفكارهم، كما يجب أيضا أن نقدم لهم الأدلة والإرشادات ذات الصلة التي تجعلهم يتبنون الأفكار الصحيحة بدلا من الأفكار الخاطئة.
ومن الضروري أن نتحدث مع الأشخاص عديمي الهدف والخاملين وأولئك الذين يتعلقون تعلقا أعمى بالأفكار الخاطئة عن القرآن. وعندئذ فقط، سيتمكنون من إدراك وفهم حقيقة أن هذا العالم قد خلق لغاية مهمة. وفي القرآن الكريم، يخبرنا الله بغايته من خلق الإنسان:
"وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدونِ". (سورة الذاريات: 56).
كلنا سيموت في يوم من الأيام. عندئذ ستبدأ حياتنا الحقيقية الخالدة. ويكمن الهدف من حياتنا الفانية في أن يكافح الإنسان كي يصبح شخصا يرضى عنه الله ويستضيفه في جنته. ومن خلال سلوك كل إنسان، ومثله العليا، ومعتقداته سيتحدد ما إذا كان سيقضي حياة الآخرة الأبدية في النار أم في الجنة. ولهذا السبب، فإن أولئك الذين يقضون وقتهم بشكل غير ذكي في وظائف عديمة الجدوى والقيمة، ويكرسون حياتهم لهذه الوظائف، ويتصرفون وكأن وجودهم على الأرض لا غاية منه، ينبغي أن يتم تحذيرهم وإيقاظهم بشكل عاجل من الغفلة التي يعيشون فيها.
وإذا أدركنا أن الغاية من وجودنا في هذا العالم هي كسب رضا الله سبحانه وتعالى، وتأييده، وجنته، لا يمكن أن نظل غير مبالين أو متبلدي المشاعر تجاه أي حدث يقع حولنا. ذلك أننا نعلم أن كل حدث إنما هو فرصة لكسب رضا الله، ومن ثم سنتصرف دائما بناء على ذلك. وسنشعر بوخز الضمير كلما شهدنا ظلما أو اضطهادا يحدث في الجوار أو في العالم. فمثلا، سنشعر بالمسؤولية تجاه كل غلام شريد يعيش في ظروف صعبة ويضطر لقضاء حياته على أرصفة الشوارع في الشتاء البارد. ولكي نلتزم بأمر الله جل جلاله الوارد في الآية التالية:
"فأمَّا اليتيمَ فلا تقهرْ، وأمَّا السائلَ فلا تنهرْ" (سورة الضحى: 9-10)، سنعامل هؤلاء الغلمان بلطف. وسنكافح لإيجاد طريقة ننقذهم بها من الظروف غير المواتية التي يعيشون فيها. ولكننا ندرك أن هؤلاء الأطفال لا يمكن أن يتم إنقاذهم بجهودنا أو بجهود الأشخاص القليلين غيرنا الذين يتصرفون بما يتماشى مع القرآن. ولهذا السبب، سنكافح من أجل نشر قيم القرآن والسنة بين الناس.
انعدام الغاية هو السبب في الأنانيةإن انعدام الغاية يجعل الناس، والمجتمعات على حد سواء، أنانيين وغير مبالين. إذ يميلون للاهتمام بشؤونهم فقط دون إظهار أي رد فعل أو في اهتمام بالأحداث التي تقع حولهم. ذلك أن الشخص الذي يتمثل هدفه الوحيد في أن يعيش حياته في خضم كل الأحداث التي تقع حوله، لن يلاحظ إلا الأحداث التي ترتبط بحياته ولن يبالي بأي شيء آخر. فمثلا، في حال اندلاع حرب أهلية في أحد البلدان التي يتاجر معها هذا الشخص، فإنه لن يهتم إلا بالأموال التي سيخسرها. ولن يفكر قط في الأشخاص الذين ذُبحوا، وفي الأطفال الذي قُتلوا بوحشية، وفي الحياة المخيفة والمحزنة التي يعيشها الناس في ذلك البلد. ولن تطرأ هذه الصور المؤلمة على ذهنه قط. ونظرا لأن اهتمامه لا ينصب إلا على تعقب أمواله، فلن يفكر قط في مساعدة هؤلاء الناس بطريقة أو بأخرى. ومع ذلك، ما هذا إلا مثال واحد من أمثلة اللامبالاة التي يراها غالبية الناس أمرا معقولا، ويعتبرونها أمرا مسلما به.
"إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ." (سورة المعارج: 22-27)
|
وفي كل يوم تقريبا، تطالعنا الصحف والتليفزيون بتغطية شاملة لقصص أناس في جميع أرجاء العالم يتعرضون لقدر لا يُحتمل من المصاعب والعنف. وتعتبر الفوضى الناشئة عن عدم الالتزام بقيم القرآن والسنة، بالإضافة إلى الكفر، هي السبب في غالبية هذه المحن. وسواء كان ذلك في فلسطين، أو إندونيسيا، أو كوسوفا، أو الشيشان، أو أي مكان آخر في العالم، سترى صورا لأناس يُسحبون على الأرض أو يُركلون أمام أعين أطفالهم بسبب حفنة من التراب. وعلى نحو مشابه، ألِف الجميع مشاهدة الأطفال الصغار وهم يقذفون الأحجار بعنف دفاعا عن أنفسهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من مشاهدة هذه المناظر الفظيعة، ما زال الناس قادرين على أن يخلدوا للنوم وأن يمارسوا حياتهم بشكل اعتيادي لأنهم لم يصابوا شخصيا بأي أذى. وبما أن هؤلاء الناس لم يعتادوا التفكير على نطاق "كبير" ويفتقرون أيضا إلى القيم السامية والضمائر، فإن مثل هذه القسوة - ببساطة - لا تحرك مشاعرهم.
وإذا تخيل المرء نفسه مكان المضطهدين، سيتبين لنا بالتأكيد كيف أن هؤلاء الناس تخلَّوا تماما عن ضمائرهم تجاه هذه الأحداث المحزنة. ماذا سيحدث إذا وُضع أحد هؤلاء الناس في بيئة يُقتل فيها الأبرياء، وتتعرض فيها زوجاتهم، وأطفالهم، وإخوانهم، وآباؤهم وأمهاتهم للمجاعة والمعاملة الوحشية؟... ماذا سيحدث إذا تعرض للفقر الشديد؟... ماذا سيحدث إذا لم يكن لديه المال أو الوسائل الضرورية ليؤمن العناية الطبية لطفله المريض؟... ماذا سيحدث إذا طُرد من وطنه دون أي سبب واضح؟... ومن جهة أخرى، ماذا سيعتقد إذا قابل شخصا لم يعان من كل هذه المحن، ولم يكن لديه هم سوى المال الذي يمكن أن يجنيه، وكان فكره يتجسد ببساطة فيما يلي: "هل أنا الذي يجب عليه أن ينقذ هؤلاء الناس؟" ألن يعتقد أن هذا الشخص بلا ضمير، وغير مبال، وقاس؟
ومع ذلك، ليس من الضروري أن تعاني من الاضطهاد كي تصبح شخصا ذا ضمير حي يراعي مشاعر الآخرين وحقوقهم. إذ يكفيك أن تنظر إلى محنة الناس وتفكر فيها في إطار قيم القرآن. ولكن، كلما ابتعد الناس عن القرآن، ازداد إحساس ضمائرهم تبلدا. ويروي لنا الله سبحانه وتعالى في الآيات التالية كيف يتصرف الأشخاص غير المتدينين بأنانية، وتبلد، وقسوة:
"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا. إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا. وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا."
(سورة المعارج: 19-21)وفي الآيات التالية، يبين لنا الله أن هناك أناسا ليسوا "أنانيين" يهتمون بالمحتاجين:
"إِلَّا الْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ. وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ. لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ. وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ. وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ."
(سورة المعارج: 22-27)وكما أوضح الله جل جلاله، فإن هناك أناسا يخافون الله ويتحملون مسؤولية المعدمين. ويبين لنا الله أن هناك طريقين أمام الناس في هذه الحياة، أحدهما هو طريق الخير والآخر هو طريق الشر. وقد قال جل جلاله في القرآن الكريم:
"وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ." (
سورة البلد: 10-20)