نشرت مجلة New Scientist المعروفة بتعصبها لمذهب الدارونية مقالة علمية في عددها الصادر يوم 14 حزيران عام 2003 تحت عنوان (How Are New Species Formed?) " كيف تتكون الانواع الجديدة ؟ " . و في ثنايا هذا المقال ادلي كاتبهُ جورج تورنر George Turner بهذا الاعتراف المهم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كنا نظن حتى وقت ليس ببعيد أننا نعلم عن حق الكيفية التي تكونت بها الانواع. و كنا نعتقد أيضاً أن العملية تتم في كل وقت بمعزل عن السكان تماما. و أنها تحدث بصفة عامة بعد أن يمر السكان من " فجوة أو ممر جيني" هام? مثال ذلك ما يحدث عند حدوث الحمل للانثي بعد ان تنساق خلف مرشح تختاره فيحدث الحمل و بنفس الطريقة عندما يتناسل أولادها بعد ذلك. و الحقيقة هي التي لم يستطع أحد ان يمسك بها تماماً. فعلي الرغم من كل الجهود التي يبذلها علماء الاحياء، فلم يستطع أحد حتى الآن من مجرد الاقتراب من خلق نوع جديد من عضو أساسي. إضافة إلى ذلك، فإنه بقدر علمنا لم تسفر عملية تسريح البشر لعدد قليل من الكائنات الحية في بيئات غريبة عن تكوين أى نوع جديد. 103
و الواقع أن هذا ليس اعترافاً جديداً. فلم يستطع أحد في أى وقت طوال قرن و نصف منذ عصر داروين أن يلحظ " التنوع " الذي ادعاه داروين، كما لم يستطع أحد ايضاً ان يعطي تفسيرا نطمئن اليه بخصوص " أصل الانواع ".
و أرى أنه من المفيد لو تحدثنا اولا عن رؤية داروين المسبقة بخصوص " التنوع " حتى يمكننا تفسير هذا الموضوع. لم تتعدي" الملاحظات " التي اعتمدت عليها نظرية داروين بعض التغيرات التي رصدها في مجتمع الحيوان. و اعتمدت بعض هذه الملاحظات على آراء بعض مربيِّ الحيوانات. فقد قام هؤلاء الاشخاص الذين يربون أجناس الحيوانات المختلفة مثل الكلاب و البقر و الحمام باختيار أنواع منها لها صفات سائدة مسيطرة بين باقي انواعها ( على سبيل المثال الكلاب التي تركض بشكل أفضل و البقر الذي يدر لبناً وفيراً و الحمام الذكي ) و قاموا بعد ذلك بتهيئة الجو لهما للاتصال الجنسي فكانت النتيجة ظهور بعد الأعداد الناتجة عن هذا الاتصال و قد امتلكت بنسب عالية الصفات التي اختارها هؤلاء المربون من قبل في الآباء. و كانت هناك أبقاراً تدر لبناً وفيراً جداً من الانواع العادية.
و قد جعل هذا " التغير المحدود " داروين يعتقد بوجود تغير دائم مثل هذا في الطبيعة و أن هذا التغير ( أى التطور ) سوف ينتشر بشكل لا محدود في خلال فترة زمنية طويلة.
إما ملاحظة داروين الثانية، فكانت حول عصفور دوريِّ " الحسُّون " الموجود في جزر جالاباجوس. فقد حدد داروين وجود اختلاف في شكل مناقيرها عن تلك الموجودة في اليابسة الرئيسية. أى أن عصفور دوري طويل المنقار و قصير المنقار و ذو المنقار المعقوف و المستوي قد نشأت جميعا داخل مجتمع واحد و أنها تحولت إلى انواع مختلفة لأنها تناسلت فيما بينها.
من هنا اعتقد داروين ان الطبيعة قد شهدت تغيرات " لا محدودة " و ان الأمر لا يستدعي " فترة زمنية طويلة " حتى تظهر انواع أنواع و فصائل و جماعات جديدة تماما. الا ان الحقيقة هي أن داروين قد جانبه الصواب فيما ذهب اليه.
إن قيامه باختيار الكائنات الحية التي لها صفة مميزه و احداث تزاوج بينها لم سوي انتاج و تربية لكائنات حية أفضل و اكثر قوة بين أقرنها من نفس النوع. في حين انه من المستحيل انتاج او تكوين كائن حي مختلف تماما بإتباع نفس الاسلوب. فعلي سبيل المثال لا يمكن تكوين حصان من قطة او زرافة من غزالة أو حتى برقوقة من كمثري. فالبطيخ هو نفسه في كل الازمان، و يستحيل أيضاً تحويل الخوخ إلى موز أو القرنفل إلى ورد. باختصار لا يمكن لأى نوع من الانواع ان يتحول إلى نوع آخر تحت أى شرط من الشروط. أما كيف وقع داروين في هذا الخطأ فهذا ما سنبحثه في الصفحات القادمة.
" الحدود الطبيعية للتغير البيولوجي "
لقد افترض داروين ان هناك وجود لا محدود للتغيرات التي رصدها في الطبيعة. و لو أن الابقار أو الكلاب أو الحمام قد اظهرت تغيرا و لو في بعض فقط من أجيالها، فإنها بالفعل قد تتغير إلى أى شيء شريطة أن يُعطي الوقت الكافي لحدوث ذلك. إلا انه ثبت عن طريق آلاف التجارب و الملاحظات التي جرت من دون توقف خلال 140 خطأ هذا الطرح تماماً و بعده عن الدقة.
لقد أظهرت كل أبحاث التولُّد و التربية التي اجريت على كل من النباتات و الحيوانات طوال القرن العشرين، أنه لا مكان لحدود يمكن ان تجتازها الانواع على تنوعها خلال وتيرة " التنوع ". و في الموضوع ذاته اشار لوثر بوربنك Luther Burbank و هو من الاسماء الشهيرة في هذا الموضوع إلى وجود قانون غير مرئي يحكم التغير الذي يحدث في الانواع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]أعلم من خلال تجاربنا اننى استطيع أن استنبط برقوقة بين واحد و نصف إلى اثنين سنتيمتراً. و لكن على أن اعترف في الوقت ذاته أننى لو بذلت جهدي حتى أحصل على ثمرة برقوق في حجم البازلاَّء أو كبيرة في حجم الليمون الهندي فمن المؤكد ان جهودي تلك لن تكلل بالنجاح في النهاية... لذلك يمكن تلخيص الموضوع في انه توجد حدود للتطور الذي يعتقد أنه محتمل و هذه الحدود تكون تابعة بالطبع لقانون ما ... و هذا هو قانون التحول ال بعد ( الوسط ) أى إلى الحالة الاولي... و قد أظهرت التجارب واسعة النطاق التي اجريت في هذا الخصوص الدلائل العلمية التي صدَّقت على النتائج التي خمنَّاها عن طريق الملاحظة من قبل. أى أن النباتات و الحيوانات تميل أكثر إلى العودة مرة أخري إلى الابعاد و البُني الوسيطة في الاجيال التالية... و اختصار ذلك أن هناك وجود لقوة جذب تجبر كل الكائنات على التواجد في درجة و حد بعينة لا تتعداه أو تتأخر عنه. 104
لقد تمكن العلماء في يومنا الحاضر من عمل بعض التغيرات في البُني الجينية للحيوانات و المنتجات الزراعية عن طريق اجراء بعض التعديلات الجينية الصناعية. فتمكنوا من الحصول على كائنات معدلة مثل حصان مفتول العضلات أكثر قوة أو كرنب أكبر حجماً. ولكن داروين انحرف في استنتاجاته تلك عن هذا الطريق و ظهر بجلاء وعلي الملء عدم صحة استنتاجاته تلك. يشرح لنا هذا الموضع لورين ايسلي Loren Eisley و هو من أشهر علماء الأنثروبولُجيا على مستوي العالم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]إن شكل الانتاج الذي نتبعه و نحن نعمل على الارتقاء بجودة الجياد و الكرنب ليس هو نفس الطريق الذي يؤدي إلى تغير بيولوجي لا حدود له اى إلى التطور. و إنه لموقف غريب بالفعل أن يُستخدم هذا النوع من الانتاج الصناعي كدليل على التطور. 105
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]يشرح ادجوارد س. دييفيEdward S. Deevy عالم الحيوان في جامعة فلوريدا كيف أنه يوجد حدود لا بد و ان يقف عندها التغير الذي يحدث في الطبيعة: " إن القمح لن ينتج سوي القمح، و الليمون الهندي لن ينتج سوي ليمون هندي ايضاً? فنحن لا نقدر أن نركب جناحا للخنزير أو أن نجعل الدجاجة تبيض بيضة اسطوانية الشكل. " 106
لقد اصطدمت التجارب التي اجريت على ذباب الفاكهة من جديد بجدار " الحد الجيني ". فقد لوحظ أن كل ذباب الفاكهة الذي خضع لهذه التجارب قد مر بنسب معلومة من التحول، غير أن هذه نسب التغير تلك لم تتعد الحد المعلوم. يحدثنا عن الموضوع نفسه ارنست ماير و هو احد أسماء الدارونية الجديدة المعروفين على هذا النحو:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]كانت التجربة الاولي تهدف إلى تقليل عدد شعر الذبابة أما الثانية فكانت تهدف إلى زيادته. و قد رأينا بعد 30 جيل أن عدد الشعر قد قلَّ من 30 شعرة تقريباً إلى 25 شعرة. إلا ان ما حدث بعد ذلك هو أن هذا الذباب اصيب بالعقم و لم يعد بإمكانه انتاج اجيال و نسل جديد. أما في التجربة الثانية فقد زاد عدد الشعر من 36 إلى 56? و مرة أخري يصاب الذباب بالعقم كما حدث في المرة الاولي. 107
و يستنبط ماير من هذه التجارب النتيجة التالية:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]من الواضح أن الاصلاحات القهرية التي طُبِقَت بالاختيار، تعمل على انضاب و انهاء أصل التنوع الجيني... إن الاختيار الذي يأتى من طرف واحد يصيح سبباً للسقوط في التوافق العام ( في التوافق و التأقلم مع البيئة ). و هذا هو ايضاً رأس البلاء في كل تجربة انتاج. 108
يعتبر كتاب Natural Limits to Biological Change ( الحدود الطبيعية للتغير البيولوجي ) الذي كتبه كل من لان ب. ليستر Lane P. Lester'?n بروفيسور علم الاحياء و ريموند ج. بوهلين Raymond G. Bohlin عالم الاحياء الجزيئية يعتبر واحداً من أهم المصادر التي تناولت هذا الموضوع. و يذكر ليستر و بوهلين في مقدمة الكتاب ما يلي:
ان قضية حدوث تغيرات تطرأ على الكائنات الحية خلال شريحة زمنية محددة في النواحي التشريحية و الفسيولوجية و البنية الجينية ..الخ هي حقيقة لا تقبل مجالا للنقاش. أما المسألة الصعبة المتبقية فهي الاجابة عن ذلك السؤال:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ما هو مقدار التغيرات المتاحة و بأى آلية يمكن أن تتكون هذه التغيرات؟ يمكن لمربيِّ الحيوانات و النباتات ان يجمعوا النماذج المؤثرة في موضوع امكانية تغيُّر الكائنات الحية. و لكن اذا بدأ احد المربيين عملة بالكلب فإنه لن يحصل في النتيجة الا على كلب أيضاًُ، و حتى ان كان لهذا الكلب شكل أو مظهر مختلف أو غريب فهو في النهاية كلب. و بنفس الطريقة فذبابة الفاكهة ستظل دائماً و ابداً ذبابة الفاكهة، و الورود ستظل هي الاخري ورود. 109