يمكن أن تكون قد علمت بعض المعلومات عن الشيطان، ولكن هل تعرِف أنَّه هو أيضاً يعرِفُك جيِّداً، ويلجأ بكلِّ الطُّرُق إلى أن يغويَك؟ وهل تعلم أنَّ الغرض الرئيسيَّ للشيطان الذي يتظاهر بصداقته إياك إنما هو أن يخدعك؟ ولْنَبدأْ مِن البداية الأولى؛ لِنُذكِّرَ أنفسَنا لِمَ كان الشيطانُ عدوَّنا، ولِنَعرِفَ هذا سوف نرجع إلى قصة آدم والشيطان في القرآن.
ويُطْلِِق القرآنُ لَقَب الشيطان حتى يوم الدين اسمًا عامًّا لكلِّ الكائنات التي وهبت نفسَها لإغواءِ الإنسان بعيداً عن طريق الله. ويُذكَر إبليسُ في القرآن باعتباره الشرِّيرَ الأصيل الذي تمرَّد على الله حين خلَقَ اللهُ آدم.
ووفقاً للقِصَّة القرآنية، فإنَّ الله خَلَق آدم، ثُم طلب من الملائكة بعد ذلك السجودَ له. وامْتَثَلَ الملائكةُ لأمر الله، أمَّا إبليسُ فقد رفض السجودَ لآدم، وأكَّد بصورةٍ فَجَّة من التمرُّد على الله وعقوقٍ لِحَقِّ الله على عباده في أن يأمُرَهم بما يشاء، وتبَجَّح بكَوْنِه خيرٌ من الإنسان. فطَرَد اللهُ إبليسَ مِن حضْرَتِه لعصيانِه وسُوء أدبه .
وقَبْل أن يُغادِرَ حضْرَةَ اللهِ، طَلَب إبليسُ من اللهِ مُهْلَةً، حتى يَتَمكَّن مِن إغْوَاءِ الناس. ويتركَّز هدفُ إبليسَ في أن يُغوِيَ الناس حتى يَجعلَهم يَحِيدُون عن الطريق المستقيم، أثناء المُهلَةِ التي منحها اللهُ له. ولن يَتَورَّع الشيطانُ عن شيءٍ في سبيلِ جَعْلِ أغلبيَّةِ الناس يَخضَعون له. وقد أَعلَن اللهُ أنَّه سوف يُرسِل الشيطانَ وأتباعَه إلى النار، ويَذكُر القرآنُ هذا كما يلي:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِين) (سورة الأعراف:11-18)
وبعد طَرْدِ الشيطانِ بعيداً عن حضْرَةِ الله، شَرَع في الصِّراع الذي سوف يستمِرُّ إلى يومِ الحساب. ومنذ ذلك الحين فإنَّه تَسلَّطَ على الناس بِمَكْرٍ وخُطَطٍ لإغوائهم، مستخدِماً طرقًا غيرَ مسبوقَةٍ لِيُحقِّق هذا الغرضَ. وكما فَهمت الآن فإنَّ الشيطانَ عدوٌّ يُمكِنه أن يَدخل إلى الإنسان بِمكرٍ شدِيد ودهاء. ولهذا السَّبب يجِبُ عليك أن تكونَ حذِراً لِتنْجُوَ مِن حِيَله.
ولا تنسَ أبداً أنَّ الشيطانَ يَكمُن لك الآن ويُخطِّط للإيقاع بك. وهو يُحاوِل في هذه اللحظة أن يَمنعَك من إكمال قراءة هذا الكتاب، ويُحاوِل منْعَك مِن التفَكُّر فيما قرأته، ويحاول أن يَعُوقَك عن أداء الأفعال الخيِّرة، ويُغرِيَك حتى تُعامِلَ الذين يَكبُرُونَك بِغير احترامٍ وتَعصِيَهم. كما يسعى لأن يمنعَك مِن شُكر الله ومِن الصلاة، ويُحاوِل أن يمنعَك مِن أن تقولَ الصِّدْقَ في جميع أحوالِك. ويجب عليك ألاَّ تسمَحَ أبداً للشَّيْطانِ مِن أنْ يخدعَك ويُعطِّلَك عَن أن تكونَ إنساناً ذَا شخصيةٍ خَيِّرة، ويعطِّلَك عن الاستِماعِ لِصوتِ ضمِيرِك.
ويَجِب عليك أن تلجأَ إلى الله وتسألَه أن يُعِينَك ويُنْجِيَك حين تُفكِّر في فِكرةٍ شِرِّيرة، أو حين تجد نفسَك غيرَ راغِبَةٍ في القيام بِفعل خير، فهذا كلُّه مِن الحِيَل الماكِرَة للشيطان، ولا تنسَ أبداً أنَّ الشيطانَ لا سَيْطرةَ ولا سُلْطانَ له على من يمتلك الإيمان.
نبيُّ الله نوحٌ عليه السلام
دعا نوحٌ عليه السلام قومَه إلى الطريق الصحيح، مَثَلُه مَثَلُ جميعِ الأنبياء، فأخبَرَهم بأنَّ عليهم أن يُؤمِنوا بالله خالقِ كلِّ شيء، ويجب عليهم ألاَّ يَعبدوا أحداً سواه، وإلاَّ فإنهم سوف يُعاقَبون. ويُخبِرُنا القرآن عن هذا كما يلي:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (سورة هود: 25 – 26)
ورغم جميع تحذيراته، لَم يؤمن بنوح إلا قليلٌ من الناس، وبناءً على ذلك؛ فقد أمر اللهُ نوحاً أن يَبنِيَ سفِينةً عظِيمَةً، وأخبَرَه أنَّه سوف يُنْجِي المؤمنين في هذه السفينة.
وأدهش بناءُ نوحٍ للسفينة في مِنطقةٍ لا يوجد فيها بحارٌ هؤلاءِ الناس الذين لا يؤمنون بالله، فسَخِروا منه .ولم يدرك الذين يفتقرون للإيمان ما الذي سوف يحدث لهم، ولكنَّ اللهَ كان يعلم.
وحين اكتَمَل بناءُ السفينة هَطَل مطرٌ غَزِير لأيَّامٍ متعددة وغطَّى الماءُ الأرضَ حتى فاض على كلِّ شيء. وقد أثبَتَ العلماءُ حدوثَ هذه الكارثة التاريخية، حيثُ تمَّ كشفُ العَدِيدِ مِن الدلائِلِ بالشرق الأوسط تُظهِر أنَّ الكثيرَ مِن جِبال اليوم غطَّتها المياهُ يوماً ما.
ولا شكَّ أنَّك قد شاهدت العديد من الفيضانات في مختلف أنحاء العالم على شاشة التِّلفاز. وعادةً ما يلجأ الناسُ إلى أسطح المباني في مواجهة مثل هذه الكارثة، وينتظرون إتْيَانَ النجدة. ولا يمكن في مثل هذه الحالات لغير المراكب والطائرات المروحية (الهليكوبتر) أن تُنقِذَهم، أمَّا في وقت نبيِّ الله نوحٍ عليه السلام فلم يكن هناك ما يُنقِذُهم إلا سفينةُ نوحٍ. وتُمثِّل هذه الكارثةُ التي سُمِّيَت طوفان نوح عقوبةً خلقَها اللهُ خصِّيصاً لمعاقَبة الناس الذين كفروا بنوح، ولأنَّ هؤلاء الناس انتظروا النجدةَ مِن غير الله؛ فإنَّه لم يركب السفينةَ أحدٌ من هؤلاء الذين صَمُّوا آذانَهم عن تحذيرات الله. ولم يضع هؤلاء ثِقَتَهم في اللهِ وإنَّما اعتمدوا على مخلوقاتٍ أخرى مثلِهم.
ولا يمكن لأيِّ شيء أن يحفظَنا إلاَّ إنْ أراد اللهُ ذلك، ولكنَّ الناس الذين أنكروا هذه الحقيقة تسلَّقوا الجِبالَ أو انتقلوا إلى مناطقَ أعلى، ولكنَّهم رغم ذلك لم يتمكَّنوا مِن إنقاذ أنفُسِهم مِن الغرق.
وآمَن عددٌ قليلٌ جِدًّا من الناس بالله ووثِقوا به، ممَّا قادَهم لِرُكوب السفينة مع نوح وإنقاذ أنفسهم. وأخذ رُكَّابُ السفينة مِن كُلِّ نوع من الحيوانات زوجاً؛ كما أمرهم الله تعالى، ويحكي لنا القرآن هذه الأحداث كما يلي:
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِر وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (سورة القمر:9 – 16)