ويخبرنا الله في القرآن الكريم أنه أرسل رسله عبر تاريخ البشرية لجميع الأقوام والمجتمعات، فدعوهم لعبادة الله وحده ودعائه وطاعة أوامره، كما أنذروهم بالتعرض لعقوبة الله وعذابه إذا لو يفعلوا ما أُمِروا به، وباختصار فإنهم بشَّروا المؤمنين بالجنَّة، وأنذروا الكافرين الذين يرتكبون أفعالاً آثمة بالنار والعذاب الأليم (وسوف نتناول الجنة والنار بشكل موسَّع في الفصول التالية من الكتاب). وقد كان محمد، عليه الصلاة والسلام، آخرَ الرسل الذين بعثهم الله للبشرية، وكان القرآن المُنزلُ عليه آخرَ الكتب السماوية.
وقد فقدت الرسالاتُ السابقة التي أرسلها الله مِصداقِيَتَها؛ حين أَدخَلَ عليها الجُهَّالُ وذَوُو المقاصد السيِّئَة كلماتٍ من عندهم وفقراتٍ خاصَّةً بهم .ولهذا السبب فإنَّ الوحيَ الأصليَّ الحقيقيَّ الذي أنزله الله للبشر في الرسالات السابقة لم يبق إلى هذا اليوم. ولكنَّ الله عالج هذه المشكلة بإرسال القرآن الكريم؛ الكتابِ الذي لا يُمكِن تبديلُه وتحريفُه.
وقد حفظ الرسول محمدٌ صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده من المسلمين القرآنَ حفظاً متميِّزاً. والقرآنُ يتميَّز بِوُضوحِهِ؛ فيُمكِن لأي إنسان أن يفهمه. ويمكننا، حين نقرأ القرآن، أن نُدرِكَ فوراً أنه كلامُ الله. وقد حفظ الله القرآنَ الذي بقي دون أيِّ تعديل، وما يزال حافظه، فهو الكتاب السماويُّ الوحيد الذي سوف يُسأَل الناسُ عنه إلى يوم القيامة.
ويقرأ المسلمون اليوم نفس القرآن، في كل مكان من العالم، ولا يمكن أن تجد اختلافًا في حرف ولا كلمة ما بين مصحف وآخر .ويوجد تطابق تامٌّ بين القرآن الذي هو بين أيدينا، والقرآنِ الذي أوحي إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، والذي جمعه الخليفة الأول "أبو بكر"، ثم نسخه بعد ذلك الخليفة "عثمان"رضي الله عنهما، وقد مرَّت على حياتهما 1400 عامٍ، حيث يوجد بينهما تطابقُ كلمةٍ بكلمة، وحرفٍ بحرف. ويعني هذا أنَّه منذ نزل القرآن على النبي محمد عليه السلام، فإنَّه بقي كما هو لم يُمَسَّ بتحريف، وحدث هذا نتيجةً لحفظ الله للقرآن من شِرار الناس الذين أرادوا تغييرَه أو إضافةَ أجزاءٍ إليه .ويؤكِّد الله سبحانه في أحد آياته حِفْظَه الخاصَّ للقرآن الكريم، فيقول: (إِنَّا نَحْنُنَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (سورة الحجر: 9 )
ويشير الله بكلمة نحن إلى نفسه، فلا يوجد إله آخر بجوار الله الذي لا شريك له؛ فهو الله العظيم الموجِدُ لكلِّ شيء، المحيطُ بكل شيء علماً.
ويُشير الله إلى نفسه في بعض أجزاء القرآن بقوله "أنا" ، وفي أجزاءَ أخرى بقوله "نحن"، وتَستخدِم اللغة العربية - وهي لغة القرآن - كلمةَ "نحن" للإشارة إلى جماعة، أو إلى شخص واحد بُغيةَ إثارة الإحساس بالعَظَمَة والاحترام لدى السامع، ويُشبِه هذا استخدامَ الملوك لِكلمة "نحن" في بعض اللغات كالإنجليزية.
وسَنُقدِّم لك في الأجزاء التالية من هذا الكتاب نماذجَ مِن آيات القرآن وسُوَرِه. وتتميز كلمات القرآن بأنها أصحُّ الكلمات على الإطلاق لأنها كلماتُ الله الذي يَعرِفنا أكثرَ ممَّا نَعرِف أنفسَنا.
ويبيِّن الله لنا في القرآن أنه يريد منَّا أن نتعلَّم دروساً من حياة الأنبياء، حيث يقول في إحدى الآيات الكريمة:
(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُّفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف: 111 )
ويقصد الله بأولي الألباب نوعيةً من الناس يعرفون أنَّ القرآن كلامُ الله؛ وبالتالي تفكِّر وتستخدم المنطق وتسعى لتعلُّم القرآن لتحيا وفقاً لأوامره.
يُحمِّل الله من يُرسِل إليهم الرسلَ مسؤوليةَ طاعة أوامره، إذ لن يكون مِن حقِّ أحدٍ من الناس بعد أن يصلَه وحيٌ من الله أن يقدِّمَ أعذاراً يوم الحساب، لأنَّ رُسُلَ الله يعرِّفون أقوامَهم بوجود الله، وما الذي يريده الله منهم .وما إن يسمعْ شخصٌ رسالةَ الله فإنه يكون مسؤولاً عليها، وقد أخبرنا القرآن بذلك فيما يلي:
(رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (سورة النساء: 165)