كيف ظهرت الأحياء الأخرى إلى الوجود؟
ولا تقتصر الكائنات الموجودة على الأرض بأي حال من الأحوال على البشر، فهناك الآلاف من الكائنات الحية، بعضها تعرفه، والكثير منها لا تعرف عنه شيئاً. وبعض هذه الكائنات تعيش من حولك، فأنت تراهم وتسمعهم في كل مكان. وبعض هذه الكائنات بعيد عنك جداً بحيث لا تجد فرصة لرؤيتها إلا في الكتب أو في السينما. ولكنك بنظرة متعمِّقة إلى هذه الكائنات سوف تجد أنَّ لديها كلها صفة واحدة مشتركة. فهل يمكنك أن تستنج ما هي هذه الصفة؟ يمكننا أن نسميَ هذه الصفة "التواؤم".والآن دعنا نعدد ما هي الأشياء التي تتواؤم معها الكائنات الحية:نجدها تتواؤم مع:
- البيئة التي تحيا فيها.
- الكائنات الحية الأخرى التي تشترك معها في المعيشة.
- العناصر التي تحافظ على التوازن في الطبيعة.
- العوامل التي تنفع البشر.
وقبل أن نبدأ في شرح العوامل السابقة دعنا نقدم مثالاً مبسطاً لتوضيح معنى "التواؤم ". فكِّر في مقبس ومأخذ الكهرباء في الأجهزة الموجودة في بيتك، ستجد أن هناك تواؤماً تاماً فيما بينها، ولكن كيف يمكن أن تثبت هذا التواؤم التام؟ تثبته بالإشارة إلى أن هناك فتحات في المقبس تدخل فيها قرون المَأخذ. ولكن هل يكفي هذا؟ لا فهناك أيضاً حقيقة أن عرض القرون المعدنية للمأخذ تساوي تماماً عرض الفتحات في المقبس. ولو حدث وتغير الوضع فإن المَأخذ لن يدخل في المقبس. وعلاوة على هذا فإن المسافة بين قرون المَأخذ تساوي تماماً المسافة بين فتحات المقبس، فإن لم تتساوَ المسافتان فإن المَأخذ لن يدخل بإحكام في المقبس. فإذا كان المَأخذ طويلة أكثر من اللازم، فإنها أيضاً لن تتواؤم. وإذا كانت قرون المَأخذ غير معدنية، فإنها لن توصل الكهرباء. وإذا لم يكن المَأخذ مصنوعًا من البلاستيك، فإنك سوف تصاب بصدمة كهربائية في كل مرة تمسك فيها بذلك المَأخذ. وكما ترى فإن غياب التواؤم حتى في أبسط الأدوات مثل المَأخذ والمقبس تجعل الأداة غير قابلة للاستعمال. ويشير هذا إلى أن نفس الشخص هو الذي صمم المَأخذ والمقبس. وقد صممهما ليكونا متوائمين مع بعضهما بعضاً وبالتالي جعلهما قابلين للاستعمال. وبعيدًا عن الخيال أن نتصور أن المعدن والبلاستيك قد اجتمعا بالصدفة وأنه تم التخطيط لكل منهما بصورة مستقلة ومنفصلة عن الأخرى، لأنه في هذه الحالة لن تجد أبداً مقبسًا ومأخذًا يتواءمان مع بعضهما البعض.
ونجد أن التواؤم بين المخلوقات الحية أكثر تعقداً بكثير من التواؤم بين المَأخذ والمقبس لأن الكائنات الحية تتضمن الآلاف من الأجهزة والأعضاء التي يجب عليها أن تتعايش في تناسق وتعمل معاً دون أدنى خطإ. وأي محاولة لكتابة شرح هذه الأجهزة وكيف تعمل واحداً واحداً سوف تملأ مكتبة تحوي مئات الكتب. وبناءً على ما سبق فإننا سوف نشرح بصورة مختصرة الصفات المكتملة للكائنات الحية التي أودعها اللهُ فيها:
الكائنات الحية تتواؤم مع البيئة التي خلقها الله فيها:
كل كائن حي سواء كان على الأرض أو كان في السماء، يتواءم تواؤماً كامِلاً مع بيئته، فهكذا خلقهم الله. وخلق لهم العديد من الأجهزة (النظم) المتقنة التي تضمن لهم التغذية، والحماية والتناسل. ويظهر هذا أن كل كائن حي مصمم وفقاً للبيئة التي يعيش فيها.
وتتواؤم أعضاء حياة الكائنات الحية وأساليبها مع الظروف السائدة في بيئاتها. وعلى سبيل المثال، فإن الطيور لديها أجنحة مثالية تمكنها من الطيران في السماء، والأسماك لديها خياشيم مخلوقة خصيصاً لتمكنها من التنفس تحت الماء، ولو كان لديها رئات مثلنا لكانت قد غرقت.
الكائنات الحية تتواءم مع الكائنات الحية الأخرى التي تتعايش معها:
تساهم بعض الطيور والحشرات في تكاثر النباتات. ويعني هذا، أن هذه الطيور والحشرات رغم عدم إدراكها لذلك، فإنها تساعد على نمو النباتات. وعلى سبيل المثال، فحين تزور النحلة زهرة بعد أخرى، فإنها تحمل اللقاح. ويرجع لهذه العملية الفضل في تمكين النباتات من التكاثر. وفي بعض الحالات تقوم بعض الحيوانات بأفعال تفيد حيوانات أخرى. فالسمك المنظف على سبيل المثال ينظف الكائنات الدقيقة من على أجساد الأسماك الكبيرة وبالتالي يوفر لها حياة صحية، وهذا شكل آخر من أشكال التواؤم.
الكائنات الحية تتواءم مع العناصر التي تضمن التوازن في الطبيعة:
لا يوجد كائن حي، غير الإنسان يخل بالتوازن في الطبيعة. وإضافةً إلى ذلك؛ فإن الكائنات خلقت بخصائص تحافظ على هذا التوازن. ولكن التوازن على الأرض يكون عرضة دائماً لأن تُخِلَّ به تصرفات الإنسان الجاهل. وعلى سبيل المثال إذا أفرط الإنسان في اصطياد نوع من الكائنات بحيث تخطَّى الحدودَ المعقولة، فإن هذه النوعية تنقرض. ويتسبب الانقراض بدوره في زيادة الفرائس التي كان يصطادها هذا الكائن زيادة مفرطة، مما يمكن أن يعرض حياة البشر أنفسهم بل ويعرض الطبيعة نفسها للخطر. وبالتالي يوجد توازن ذاتي في خلق الكائنات الحية، فهي تُخلَق بتواؤم كامل مع توازن الطبيعة، ولا يمتلك إلا الإنسان القدرة على تدمير هذا التوازن الدقيق.
الكائنات الحية تتواءم مع العوامل التي توفِّر منافع للبشر:
فكِّر على سبيل المثال في فائدة العسل بالنسبة إليك. كيف تعرف النحل أنك تحتاج إلى هذا النوع من التغذية، وكيف تقوم بإنتاجه؟ وهل يمكن لدجاجة، أو بقرة أو خروف أن يعرف الاحتياجات الغذائية للبشر ويُنتجَ موادَّ غذائيةً مثالية لتغطية هذه الاحتياجات؟ بالطبع لا.
وهذا التناسق التام بين الكائنات الحية دليل واضح على أنَّ هناك خالقاً واحداً هو الذي خلقها، وترجع كُلُّ التوازنات الدقيقة على الأرض لهذا الخلق المتقن إلى الله سبحانه.
خلْقُ الكون
شرحنا إلى حدِّ الآن خلْقَ الله للكائنات الحيَّة. والآن حان الوقت لنتدبَّر الكون بأكمله. خَلَق الله الكون الذي توجد فيه أنت والأرضُ والشمس والمجموعة الشمسية والكواكب والنجوم والمجرَّات وكلُّ الأشياء الأخرى الموجودة في الكون.
ورغم هذا فإنه إلى جوار الذين يعارضون حقيقة خلق الكائنات الحية، فإنَّ هناك أناسًا آخرين ينكرون حقيقة خلق الله للكون. ويؤكِّد هؤلاء أنَّ الكونَ ظهر للوجود تلقائيًّا. ويزيد على ما سبق أنَّهم يقترحون أنَّ الكون كان موجوداً دائما. ولكنَّهم لا يفسِّرون أبداً دعواهم غيرَ المنطقية، وهي دعوى تُشبِه المثالَ التالي: تخيَّل أنَّك ركبت مركبًا في يوم من الأيام وأبحرت في عرض البحر، ووصلت إلى شاطئ جزيرة. ففيم سوف تفكِّر إذا ما وجدت مدينةً متطورةً، بها ناطحاتُ سحابٍ، وتحوطها الحدائقُ الجميلة والمساحات الخضراء؟ وإضافةً إلى هذا، وجدت المدينة ملِيئَة بالمسارح والمطاعم وخطوط السككِ الحديدية. بالتأكيد سوف تعتقد أنَّ هذه المدينةَ قام بتخطيطِها وبنائِها أناسٌ أذكياءُ، أليس كذلك؟ فما رأيُك في شخصٍ يقول: لم يَبْنِ أحدٌ هذه المدينةَ؛ فقد كانت موجودةً منذ الأزل، وقد جِئنا في وقتٍ ماضٍ وسكنَّا بها. ونحن نتمتَّع في هذه المدينة بكل ضروريات الحياة التي كانت قد جاءت إلى الوجود بصورة تلقائية"؟
سوف تظن بالتأكيد أنَّ هذا الشخص مجنون، أو أنَّه لا فكرة لديه عمَّا يتكلم. ولكن، لا تنسَ أنَّ الكون الذي نعيش فيه أكبرُ من تلك المدينة بما لا يدع مجالاً للمقارنة. ويتضمَّن هذا الكونُ عدداً لا نهائيًّا، تقريبًا، من الكواكب والنجوم والمُذنَّبات والأقمارِ والأتباع مِن مختلف الأنواع. وفي هذه الحالة فإنَّ الشخص الذي يزعم بِأنَّ هذا الكون المُتقَن لم يتمَّ خلقُه وإنَّما وُجِد دائماً، يجب ألا يبقى دون إجابة لمزاعمه؟ ألا توافقني؟
وبعد أن تقرأ الفقرة التالية سوف تتمكن أنت بنفسك من تقديم أفضل إجابة. والآن دعنا نتوسع في التعرُّف على الكون، وندعُ الإجابةَ إلى النهاية.
كلُّ شيء بدأ بانفِجارٍ كبير
أثناء العصور التي لم يكن لدى الناس فيها تليسكوبَّات لمراقبة السماوات، لم يكن لديهم إلا النزرَ القليلَ من المعلومات عن المساحات البعيدة في الكون، والتي لا يُعتمَد عليها، وكانت لديهم أفكارٌ عن الكون تختلف كثيراً عمَّا لدينا اليوم. ومع تقدُّم التكنولوجيا، جمَع الإنسان معلوماتٍ دقيقةً عن الفضاء الخارجيِّ، واكتشف الناسُ في منتصف القرن العشرين اكتشافاً في غاية الأهمية، وذلك أنَّ للكون تاريخَ ميلادٍ، ممَّا يعني أنَّ الكون لم يكن دائماً موجوداً. وهذا يعني أنَّ الكونَ والنجوم والكواكب والمجرَّاتِ بدأت في التكوُّن مِن تاريخٍ مُحدَّد. وقد حَسَب العلماء تاريخ الكون ووصلوا إلى أنَّه حوالي 15 مليار سنة.
وأطلق العلماءُ على اللحظة التي وُلِد فيها الكون اسمَ:الانفجار العظيم؛ الذي وقع منذ 15 مليار سنة، حين لم يكن شيءٌ قد ظهر إلى الوجود، ثم ظهر كلُّ شيء فجأةً بانفجار، بدأ من نقطة واحدة.ويعني هذا باختصار؛ أنَّ المادةَ والكونَ اللذَينِ ظنَّ الناسُ أنَّهما كانا موجودين على الدوام ليس كذلك، بل كانت لهما بدايةٌ .وهنا يثور سؤالٌ مُؤَدَّاه: كيف وصل الناس إلى أنْ يتفهَّموا أنَّ للكون بدايةً؟ في الحقيقة كانت مسألةً سهلةً بدرجةٍ كبيرة، إذْ أنَّ المادة التي انتثرت وتسارعت مبتعدة عن جزيئات المادة الأخرى مع حدوث الانفجار الكبير ما زالت تتباعد عن بعضها.
ولْتُفكِّر يا صغيري قليلاً! فالكَوْنُ مازال مستمِرًّا في التمدُّد حتى لحظتِنا هذه. وتخيَّلْ أنَّ الكونَ عبارةٌ عن بالونٍ، فإنْ رَسَمْنا نقطتين صغيرتين على سطح البالون، فماذا سيحدث لهما عندما تنفخ البالون؟ ستجد أنَّ النقطتين تتباعدان عن بعضهما بعضاً مع زيادة حجم البالون. وكما في حالة البالون، فإن حجم الكون ما زال في زيادةٍ مُستمِرَّة، وكلُّ شيء فيه يبتعد عن كلِّ شيء آخر؛ أي أنَّ المسافة ما بين النجوم والمجرَّات والمُذنَّبات في زيادةٍ مستمرَّة.
وتخيَّل أنَّك تشاهد تمدُّدَ الكون في فيلمِ كارتونٍ، كيف سيبدو لك الكونُ إذا قمت بإدارة الفيلم بصورة عكسية نحوَ بدايته؟ سوف ينكمش الكونُ ويتضاءل حتى يصير نقطةً واحدة، أليس كذلك؟ هذا ما فَعَلَه العلماءُ بالضبط؛ فقد عادوا إلى بداية الانفجار الكبير، وأدركوا أنَّ الكون المستمرَّ في التمدد بدأ كنقطةٍ وحيدة.