تشكو المجتمعات العربية عموما من ضعف تثقيف الأطفال، فقلما نرى طفلا يهتم ويبحث عن الكتاب في حين نجد الغالبية العظمى من أطفالنا مشغولة بالكرتون واللعب والسبب أن التنشئة على مستوى الأسرة والمجتمع لا تهتم كثيرا بغرس حب هذه الأشياء في نفوس الأطفال حتى مناهج التعليم في مدارسنا في معظمها مناهج تلقينية لا تنمي الجوانب الإبداعية ومهارات الذكاء لدى الأطفال.
ويؤكد العديد من الخبراء في مجال التربية أن عملية تثقيف الطفل يجب أن تبدأ حتى قبل ولادته سواء من خلال تثقيف الأم أو تلقين الثقافة للطفل وهو جنين، تقول "ساعدة الرافعي" خبيرة التوجيه والإرشاد: دلت الدراسات أن الأطفال الذين كانت أمهاتهم يتكلمن معهم ويقرأن لهم كانوا الأكثر استقرارا من الناحية النفسية.
وترى الدكتورة "سمية أحمد فهمي " في كتابها "علم النفس وثقافة الطفل" أن المقصود بثقافة الطفل هو رعاية تلقائية الناشئين في التعبير عن شخصياتهم النامية وحفز طاقتهم الخلاقة الكامنة بحيث تتلاحم مع الواقع، فيبدعون منجزات تجسد أمالهم وأفكارهم ووجداناهم المتفتحة في إطار هذا التصور وعليه تكون أنواع الأنشطة التي يبتكرها الأطفال والأشغال التي ينجزونها مستخدمين مواد بيئتهم وأساليب تراثهم الثقافي تعبر بحرية عن تجاربهم الشخصية في العالم المحيط بهم عن خلجات وجدانهم إزاء الأحداث التي تقع لهم عن تخيلاتهم ورغباتهم وما يرونه من حلول لهذه المشكلات فالألعاب التي يخترعونها والأناشيد التي يؤلفونها والقصص التي يتخيلونها والرسومات التي يتصورونها وغير ذلك من الأنشطة والمنجزات التي يزاولونها بأوسع قدر من الحرية هذه جميعها هي التي تشكل ثقافتهم.
وبشكل عام فثقافة الأطفال تعني ما يرثوه عن أسرتهم وما يصلهم من عادات وتقاليد، وما يكتسبونه من معرفة وعلم، وما يتأثرون به من أخلاق، وما يصلهم من مجتمعهم من أفكار وآراء وقوانين، لذلك فإن الأسرة مسئولة بصورة مباشر عن تثقيف الأطفال لأنها هي المنبع الأول الذي يتلقى منه قيمه وعاداته ومن ثم يمتد معه لبقية حياتهم.
ويوضح الدكتور"عبد الفتاح أبو معال" أن للأسرة أدوارا كثيرة ووظائف متعددة تقوم بها وتقدمها للطفل، أبرزها قضية التثقيف التي تعتبر من الوظائف الهامة، فهي الوظيفة التي تفرض على الأسرة إعداد الطفل وتهيئته للمشاركة في الحياة الاجتماعية.
وفي القديم كانت الأسرة تنفرد بهذه الوظيفة بشكل رئيس حيث كانت الوسيط التربوي الرئيس والوحيد الذي يزود الطفل بمهارات وألوان المعرفة التي تعده كي يكون عضوا فاعلا يسهم في الحياة الاجتماعية، فالأسرة كانت تقوم بدور المثقف والمربي والمعلم والمدرب والمعد الاجتماعي للطفل، ولكن نظرا لتطور الحياة الإنسانية وتنوع وتعدد مجالات المعرفة ومساراتها وتنوع أساليب الحياة وطرائق التعامل فيها وتطور مجالات العمل التي تجعل المرأة تشارك في مجالات العمل، فقد أخذت الأسرة تتخلى كثيرا عن الأدوار والمهام التي كانت تقوم بها في الماضي، وألقت الأسرة بتبعية ذلك على وسائل أخرى ووسائط كثيرة مثل الحضانة، الروضة، المدرسة.
وبالرغم من أن كلا من هذه الجهات تقوم بدورها حسب تخصصها وواقعها في تربية الطفل وتشارك في إعداده وتهيئته للحياة، إلا أن تكوين جوانب شخصيته المختلفة بحاجة إلى تعاون الأسرة مع هذه الجهات؛ لأنها كما أشرنا سابقا صاحبة الدور الرئيس في بناء شخصية الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، وتكاد تنفرد الأسرة في تربية الطفل خلالها.