في هذا الوقت العصيب الذي تمر فيه فلسطين والأمة بكاملها بأخطر مراحلها على مختلف الصعد ، وفي الزمن الذي تسلطت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل بأجندتها المتعالية بقيمها البالية والتي أيضا تدين المقاومة وتضع الجرائم التي يرتكبها الأمريكيون والإسرائيليون ضمن حروب الدفاع عن النفس، إلا أن الأمة ما تزال تحتفظ بقدرتها على دفع المعتدين وترفض الاستسلام لهم ولقيمهم الباطلة.
وكم سعد المؤسسون للمقاومة الفلسطينية عندما تحوّلت روح المعركة إلى نفوس جميع مكونات الشعب الفلسطيني، فذلك أمرٌ مهم جداً لكل من يطمح للتحرر من قيود الأعداء واشتمام عبق الحرية و التمتع بنشوة الانتصار.
وإنني أظن أن ما ذهبت إليه جمعية واعد للأسرى و المحررين يصبُّ في هذا الإطار ويرفع الرؤوس عالياً ؛ ففريضة الجهاد وبالأخص جهاد الدفع الواجب على أهل فلسطين يطال وجوبها كل واحد من المسلمين (هذا بخصوص المسلمين) ؛ ولا يُعدُّ فلسطينيا من أنكر قتال أعدائنا الإسرائيليين الذين أقاموا على أرضنا دولة يهودية وطردونا منها وهدموا حضارتنا.
والغريب أن هذه الحالة التي تسعى إليها جميع فصائل المقاومة الفلسطينية ، وكافة أطياف الأحرار من أبناء شعبنا الفلسطيني لا تروق لبعض الكتاب الذين لا يزالون يرون قضيتنا من وجهة نظر عدونا ، ويريدوننا أن نلتزم بقواعد اللعبة كما يراها قاتلوا أطفالنا ، ويقومون إلى كل خطوة جريئة نمزق بها أغلال المجتمع الدولي التي يقيدنا بها ليجعلوا منها تهورا وتخبطا وقفزا في الهواء بينما لا يقدمون لنا حلولا من خارج النظرة الانهزامية.
والمثير للاستغراب الشديد أنني عثرت على مقالة من هذا النوع الانهزامي بعنوان "جندي إسرائيلي مقابل مليون دينار " منشورة في عدد يوم الجمعة 20/11/2009م من صحيفة فلسطين المحسوبة على حركة "حماس" باسم كاتب يدعى عصام شاور .
ويريد هذا الكاتب أن يدفعنا نحو إضعاف أنفسنا بأنفسنا من خلال انتظار نتائج متوهمة نسجها ضمن أحلامه البائسة التي رسمها قلمه ، ومما يؤسف حقا أنه وجد له انتشارا باعتباره سبق له تأييد أعمال المقاومة ضد الاحتلال أو أبدى تعاطفا مع أصحاب البيوت المهدمة والجمعيات الخيرية والمدارس المدمرة في غزة.
وإنَّ هذه الأفكار البائسة جرَّبها محمود عباس وسلفه ياسر عرفات لسنوات طويلة فلم تجرَّ علينا سوى الويلات والخراب والدمار، وإهدار للأوقات والأموال والجهود فيما لا طائل منه.
وارجع إن شئت إلى التاريخ يخبرك بأن المندوب السامي البريطاني شارك في مظاهرة تهتف ضد وعد بلفور ، ولكن الوعد تحقق لليهود وذهبت الهتافات في الهواء مع أوهام الحالمين بصلاح الفاسدين من خلال استعطافهم والإحسان إليهم ...
صفعة مشفق
اسمع يا عصام شاور .. ألم تعلم بأن هيئة الأمم المتحدة من أهم أعداء الشعب الفلسطيني ومن أبرز الداعمين لإسرائيل كدولة يهودية قائمة على أرض فلسطين ؟ ، ألم تعلم بأن إسرائيل عضو دائم في لجنة السلام بالأمم المتحدة بينما فلسطين عضو مراقب؟.
فعلى من نعوّل إذن ؟! .. على دول تتآمر على فلسطين منذ سقوط الخلافة العثمانية ، وبعد انسحاب القوات البريطانية ، وبعد قيام دولة إسرائيل على أنقاض بيوتنا وجماجم أجدادنا وآبائنا، وبعد إعلان غزة منطقة محاصرة ...
لن أقول لك معلومات حول مقدار الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الذين تنتظر منهم أن يفضوا النزاع بيننا وبين الإسرائيليين بإنصاف وعدالة، فذلك عيب في حقك وأنت تضع حرف الدال أمام اسمك.
ثم إنك قلت بأن جمعية واعد للأسرى والمحررين "خاضعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية الفلسطينية، ولا أعتقد أن النظام الداخلي الذي وافقت عليه الوزارتان ينص على جواز دعم اختطاف جنود" ، ونسيت أن الأسرى هم جزء من اهتمامات الجمعية وإن كان في دين المسلمين العمل على إطلاق سراحهم من أيدي العدو واجب على الجميع ؛ فإنني أرى أن المؤسسات التي تعنى بأمر الأسرى أولى الناس لحشد الحشود من أجل تحقيق هذا الهدف وليذهب النظام الداخلي الذي يمنعنا من المقاومة إلى مزابل التاريخ – ركن أوسلو.
ثم إنني رأيتك تخوفنا بلائحة الإرهاب الأمريكية والأوروبية التي هي وسام شرف على صدور المدرجين عليها مؤسسات وأفراد، وإن مسألة جمع الأموال من جهات خارجية ليست من الصعوبة بحيث تتعذر؛ إذن فكيف تتدبر الحكومة الفلسطينية المحاصرة أمرها ؟!. أظن أنك متأثر بالدعاية الأمريكية والصهيونية إلى درجة الرعب الشديد.
وتنتقل إلى تخذيل يخدم إسرائيل باعتبار مسألة اختطاف الجنود الإسرائيليين أمرا صعبا ومستحيلا بل ومتعذرا على المقاومة نفسها ، واستنتجت بشكل لا يستند إلى حقائق بما أنه يصعب على فصائل المقاومة إذن فهو يصعب على الأفراد ؛ وأنت معذور إن كنت تجهل تفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الفلسطينيون بعزّ و هم يكيلون الموت والرعب لجنود الاحتلال ومن ذلك الأعمال الفردية الناجحة التي أغلقت ملفاتها لدى المخابرات الإسرائيلية لانقطاع جميع خيوطها.
ولكنك مدان أبشع إدانة وأنت تحاول أن تطفئ شمعة يرى أسرانا من خلالها النور ، يمكن أن يشع نورها ويسطع في آفاق السجون ويفك القيود التي آلمت الأسرى مقابل الجنود الذين يتحرك الصامتون لأسرهم.
وأذكرك بأن المجموعة التي اختطفت الضابط الإسرائيلي "نسيم توليدانو" (رقيب أول) ليلة الأحد 18من جمادى الثانية 1413هـ الموافق 13/12/1992، هي عبارة عن شبان مقدسيين غير مرتبطين تنظيميا اتفقوا على خطف جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى ، وبعد تمكنهم من خطف "توليدانو" اتصلوا بحركة حماس لتعلن المسئولية وتكمل المهمة.
وأما مسألة الاندفاع نحو أسر جنود الاحتلال بغية الحصول على الجائزة " مليون دينار أردني" ، والخوف على دمائهم والتساؤل عمن يتحمل المسئولية عن دمائهم فأنا أؤيدك في هذا الأمر بشكل جذري بعيدا عن السطحية .
لذلك دعنا نطالب علماء الدين ببذل الجهود لتوضيح خطورة المشاركة في الحروب بدون الإخلاص لله عزّ وجلّ ؛ فإن لم يكن القتال لتكون كلمة الله هي العليا فإنَّه مهلكة للنفس.
إلا أنَّ كلَّ واحدٍ يتحمل المسئولية عن نفسه بذاته لقوله تعالى : " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ".
وأضيف أيضاً بأنَّ عبد الله بن أبيّ بن سلول كان في جيش الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وفرَّ بثلث الجيش يوم أحد ؛ كما وأنَّه ليس كل من قاتل مع جيش المسلمين هو في الجنَّة فكم من قتيل في الصَّفِّ يتلظى في نار جهنم.
وعليه فنحن لسنا مطالبين بالشَّقِّ عن القلوب فالله وحده أعلم بالنوايا ؛ مما يعني أنَّ البحث عن المال مقابل أسر جنود إسرائيليين ، لا يعد مسوغاً معتبراً لمنع العمل الجهادي بما في ذلك خطف الجنود و إطلاق الصواريخ وتفجير العبوات الناسفة و تنفيذ العمليات الاستشهادية في قلب العدو وتجمعاته.
والحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا أن المعادلة الصحيحة هي التي تفرضها المقاومة ، ونجاحها في تحقيق أهدافها يرجع إلى قدرتها على كسر القواعد التي يضعها الخصوم، ووضع قواعدها الخاصة للمعركة، وأي التزام بشروط العدو هو مساومة لا تقبلها المقاومة.
بقلم: عبد الرحمن أبو العطا