قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتجديد الاعتقال الإداري للشيخ صالح محمد سليمان العاروري للمرة السادسة على التوالي ، وكان الشيخ العاروري قد اعتقل بتاريخ 24-6-2007 عقب الأحداث المؤسفة بين حماس وفتح في قطاع غزة والتي تدحرجت وخرجت عن السيطرة وقادت إلى الحسم حيث جاء هذا الاعتقال على خلفية تلك المواجهات، وفي ظل إصرار البعض المتنفِّذ من الآخر الفلسطيني على نقل تلك الأحداث إلى الضفة الغربية فتصدى الشيخ صالح وانطلاقاً من حرصه الشديد على أهمية وضرورة الحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني وتفويت الفرصة على من يحاول العبث بالنسيج الوطني الفلسطيني ، فبذل بهذا الاتجاه جهوداً كبيرة وجبارة بالتعاون مع العديد من أبناء الشعب الفلسطيني المخلصين ومن كل الفصائل لقطع الطريق على المغرضين والحاقدين والمتآمرين ومنع امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وحتى لا يتحول الكل الفلسطيني إلى ضحايا الاحتلال وسياساته الهادفة إلى تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني وتعميق حالة الانقسام الحاصلة في الساحة الفلسطينية ، وقد واصل الشيخ أبو محمد الليل بالنهار وعلى مدار كل الأيام العصيبة وفي أجواء مشحونة ومتوترة وفي ظلال ضغوط نفسية عالية وصعبة ، فقدم مع المخلصين من أبناء الشعب الفلسطيني العظيم إسهامات طيبة في تطويق الأحداث في الضفة وتنفيس بعض بؤر التوتر وتوضيح الموقف بضرورة أن تنأى الضفة الغربية عما يحصل في غزة وأن تتكاتف جميع الجهود وتتكامل لوضع الحلول المناسبة والتي ترضي جميع الأطراف في غزة مع ضرورة حفظ مكانة وكرامة كل الفصائل العاملة ومعالجة الأسباب والدوافع التي قادت إلى الحسم ، وكان ذلك يتطلب من الشيخ صالح وإخوانه إجراء اتصالات مع كافة الأطراف ومع مختلف مستوياتها القيادية وكوادرها وقد اقتضى الأمر إجراء اتصالات مكثفة مع قيادات حماس في الداخل والخارج وكذلك مع الرئاسة ، وقيادات وكوادر فصائلية ومع مسؤولين في فتح والأجهزة الأمنية ورجالات قيادية ومسؤولة في السلطة ، هذه الجهود الطيبة والمباركة التي تصب في المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني وتخدم مواقفه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يفرق رصاصه بين فلسطيني وآخر ، الأمر الذي لم يرق للاحتلال الإسرائيلي الذي يحرص وبكل طاقاته للدفع بالساحة الفلسطينية إلى أتون الاقتتال الداخلي ، فسارع إلى اعتقال الشيخ صالح وعدد كبير من إخوانه الذين شاركوا في هذا الجهد من المحسوبين على حركة حماس ، فأرادت سلطات الاحتلال تفريغ الضفة كليا من الشخصيات الإسلامية الفاعلة وهذه سياستها الدائمة حيث تقوم كل فترة بشن حملة اعتقالات واسعة وشاملة في مسعى منها لتوفير الأجواء المناسبة للاقتتال الداخلي ، حيث أن رغبة الاحتلال الإسرائيلي وعلى الدوام هو في تطور الصراع للوصول إلى حرب أهلية في الضفة وهذا ولا شك يعتبر هدفا استراتيجيا للاحتلال ، مثلما هو الآن الوضع الحالي في الضفة حيث تقوم الأجهزة الأمنية وعلى مختلف مسمياتها بقمع كل توجه للمقاومة وبأي شكل تحت ذريعة الصراع مع حماس لقطع الطريق عليها من السيطرة على الضفة وفق ما يعشعش في أذهانهم من هم حيث أن ذلك على أرض الواقع غير موجود ، ولو كانت حماس تسعى وتفكر للسيطرة على الضفة لما وقفت مكتوفة الأيدي أمام كل الأذى الذي يلحق بها من ذوي القربى ولما انتظرت ، لأن الموقف الثابت لحماس تفويت الفرصة على كل المغرضين والمرجفين الذين يدفعون من خلال ممارساتهم الوحشية واعتداءاتهم الهمجية على حماس وكل الشرفاء والأحرار من أبناء الشعب الفلسطيني إلى صراعات أهلية وإشغال الفلسطيني بالآخر الفلسطيني خدمة للاحتلال.
إن ما حدث في غزة وضع استثنائي له تراكمات لا تخفى على أحد ، وهناك دوافع وأسباب وممارسات حاول البعض إفشال حكومة الوحدة الوطنية من خلال الفوضى الخلاقة التي صورتها كونداليزا رايس ولم يكن في وارد حماس الحسم لولا أولئك الذين أصروا على أن تكون الساحة الفلسطينية مليئة بالفلتان الأمني والتسيُّب والفوضى بامتياز من نوع " خلاقة " وفق المخططات الأمريكية التي أكدتها المواقف والممارسات على أرض الواقع والاهتمام البالغ في انتقاء عناصر أمنية وإخضاعها لتدريبات خاصة تحت ذريعة تطوير الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتسليحها بمباركة إسرائيلية ، وما دايتون وفريزر وجونز وطواقم CIA عن المشهد ببعيدين ، وما التقرير الذي قدمه دايتون للكونغرس الأمريكي الذي فضح الأمور حتى دفع بالسيد محمود العالول للمطالبة بتوضيح ذلك من الجهات الفلسطينية ذات العلاقة من خلال برنامج استضافة على فضائية فلسطين مع اللواء عدنان الضميري عندما كان يومها ناطقاً إعلامياً باسم الأجهزة الأمنية، حيث يشرف جنرالات أمريكا وضباط مخابراتهم على كل الأمور في الساحة الفلسطينية ويشكلون مع طواقمهم مرجعيات لكافة النواحي ذات العلاقة بالأمن.
لقد استغلت سلطات الاحتلال ما قام به الشيخ صالح من جهود مباركة في سبيل منع امتداد الصراع بين فتح وحماس إلى الضفة الغربية وجهوده الطيبة في رأب الصدع الفلسطيني – الفلسطيني ، فزجت به في الاعتقال الإداري ومرة تلو أخرى يتم تجديد هذا الاعتقال وبنفس التهمة " قيادي في حماس وصاحب تأثير كبير داخل حماس وخارجها " وتستند الأجهزة الأمنية في مداولاتها في كواليس المحكمة العسكرية إلى ما يطلق عليه وتسميه هذه الأجهزة بالملف السري الذي تقدمه هذه الأجهزة إلى المحكمة من خلال التقارير الإستخباراتية وطبعاً التي لا تستند إلى الحقائق وإنما إلى التوقعات والتقديرات.
إن الشعور بالمسؤولية وحرص الشيخ صالح على الوحدة الوطنية كان الدافع وراء تحركه وبذل جهوده ، وهو الذي لم يمضِ على الإفراج عنه وكسر قيده سوى مائة يوم فقط لا غير ، حيث خرج من مسيرة اعتقال طويلة رافقها الكثير من الألم ، اقتطعت رحى سجون الاحتلال منها أكثر من خمسة عشر عاماً من عمره المديد والمبارك.
ويعتبر الشيخ صالح شخصية إسلامية مرقومة ذات كاريزما خاصة حيث نشأ وترعرع في بيت متدين وقد كان لوالده الأثر الكبير في تربيته ونشأته الإسلامية ، فالوالد الشيخ محمد العاروري كان حافظاً لكتاب الله عن ظهر قلب ، وكان يؤم الناس في المسجد القريب من البيت فعكس ذلك على الأسرة بكاملها التي تربت على موائد القرآن ، وكان الشيخ صالح ومنذ صغره ملتزماً مع والده بالصلوات في المسجد وفي جماعة الأمر الذي غرس فيه حب الدين وحب الإسلام والالتزام منذ نعومة أظفاره ، ففي قرية عارورة شمال غرب رام الله بتاريخ 19-8-1969 ، هذه القرية التي تربض على قمة جبل وتطل على عدة قرى ، وشمال فلسطين وغربها تأبى كما هو ابنها الشيخ صالح إلاّ العيش في القمم السامقة وقد أثبتت السنون أن أبا محمد صاحب رسالة جليلة وهدف نبيل وسامٍ وهو يدرك ويحدث من حوله أن الإنسان الذي يعيش لنفسه تبدو حياته قصيرة ، حيث تبدأ يوم ميلاده ، وتنتهي حيث يموت ، أما عندما يعيش لهدف سامٍ ولرسالة جليلة فإن الحياة تغدو أطول حتى من سنوات عمره ، لذلك فقد طلق الدنيا ثلاثاً ولم يركن إليها ، ولم تشده زخارفها ومفاتنها.
لقد درس الابتدائية والإعدادية بكافة مراحلها في مدارس القرية وكان طالباً نجيباً ومجتهداً ، وقد عرف بنشاطه وجده في القيام بواجباته المدرسية وبعد أن أنهى دراسته الثانوية في رام الله التحق بجامعة الخليل قسم العلوم الشرعية ، وكان من الطلبة المميزين ، والذين أخذوا على عاتقهم حمل رسالة نشر الدعوة الإسلامية في أوساط الطلبة ، ونظراً لما تميز به من قدرة كبيرة على الحوار والإقناع والجاذبية الخاصة التي ميزت شخصيته حيث له سحر خاص على مستمعيه فيفرض عليهم الاحترام ، وكان يسعى وعلى الدوام لحل الخلافات التي تنشأ بين الطلبة ، هذه الصفة لازمته منذ كان على مقاعد الدراسة الإعدادية والثانوية حيث يسارع وعلى الفور لحل الخلافات بين زملائه الطلبة ولا يقر له حال ولا يهدأ له بال حتى يتمم الصلح بين المتخاصمين ويعود الوئام والوفاق بين الزملاء بدل الخصومة والعداوة ، ويعود الحب بدل الكراهية ، هذا الأمر أكسبه محبة خاصة في قلوب كل من تعامل معه سواء كان في صغره أو خلال سنوات دراسته الجامعية وما قبلها أو خلال سجنه ، ولعل ذلك كان أحد الدوافع التي جعلت الشيخ صالح لا يتوانى ولا يتأخر عن محاولاته لرأب الصدع بين الأخوة المتخاصمين من أبناء حماس وفتح ، وهو غير نادم على أن يدفع ثمن ذلك حريته مقابل هذا الوفاق والاتفاق الذي سعى له ولم يكمله نتيجة اعتقاله الأخير الذي مضى عليه أكثر من ثمانية وعشرين شهراً في الاعتقال الإداري.
إن مجموعة القيم الدينية والأخلاقية والوطنية التي تجسدت في شخصية المجاهد الكبير الشيخ صالح العاروري وتلك الملكات والمهارات القيادية التي رافقته منذ صغره ، وما أكرمه الله به من علم وفصاحة لسان ووضوح بيان وتعبير كل ذلك كان مؤهلاً له لأن يكون أمير الكتلة الإسلامية في جامعة الخليل وخلال السنة الدراسية الجامعية الثانية ، وهو يشهد له بقوة شخصيته وصرامة قيادته وحكمة تعامله وحنكة سياسته مع الكل بغض النظر عن لونه السياسي أو انتمائه التنظيمي ، وقد بقي أميراً للكتلة حتى تاريخ اعتقاله الثالث يوم 21-10-2002 وتجدر الإشارة هنا أن الجامعة قد أغلقت أبوابها لأكثر من ثلاث سنوات مع بداية الانتفاضة الأولى التي كانت شرارتها يوم 9-12-1987.
لقد اعتقل الشيخ صالح للمرة الأولى عام 1990 إدارياً لمدة سنة بحجة المشاركة في نشاطات طلابية ، وكان الشيخ صالح الذي تربى دعوياً وصقلت شخصيته الدعوية الحركية في محاضن جماعة الإخوان المسلمين بعد أن تعهد تربيته في الصغر والده ، وقد انخرط في مقاومة الاحتلال من خلال فعاليات الانتفاضة اليومية ، ومع انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية – حماس فقد انخرط في فعالياتها منذ اليوم الأول ، كما وانخرط لاحقاً في جناحها العسكري ، وقد وجهت له أجهزة الأمن الإسرائيلية تهمة تأسيس كتائب الشهيد عز الدين القسام في محافظة الخليل وأحد مؤسسي الكتائب الأوائل في الضفة الغربية ، وقد أعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خبراً مفاده أنها تمكنت من اعتقال الشيخ صالح العاروري واعتبرته مؤسس كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية - حماس في الضفة الغربية ، وقد جاءت الاعترافات عليه بعد اعتقاله بتاريخ 21-10-1992 بعد اعتقال عدد من المجاهدين من الجناح العسكري – كتائب القسام ، وقد خضع الشيخ صالح لتحقيق قاسٍ وعنيف جداً استخدمت معه كل الأساليب في التحقيق العسكري من ضرب مبرح وشبح متواصل وحرمان من النوم وتعذيب جسدي ونفسي فاق كل التوقعات وتجاوز كل الأخلاقيات والقيم الإنسانية إلاّ أن الشيخ صالح لم يعترف بذلك ورغم وحشية التحقيق إلاّ أن الأجهزة الأمنية لم تستطع انتزاع اعتراف من أبي محمد يدينه بأنه المؤسس للجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية إلاّ أن إخوانه من المجاهدين قد اعترفوا عليه بذلك ، وعليه فقد وجهت له تهمة تأسيس الجهاز العسكري باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية مع مجموعة من المجاهدين الأبطال ، لقد حكمت المحكمة العسكرية الإسرائيلية يومها على الشيخ صالح بالسجن الفعلي لمدة خمسة أعوام بالإضافة إلى سبعة وعشرين عاماً مع وقف التنفيذ وبالإضافة أيضاً إلى غرامة مالية باهظة ، إلاّ أن هذا الحكم لم يرض الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حيث كان لمخابراتها قناعة أخرى فتجاوزوا قرارات المحاكم ، ولم يتركوا الشيخ ، وبدأوا سياسة الاعتقال الإداري المتجدد وذلك بعد أن أنهى مدة محكوميته ، وتمّ الإبقاء عليه في الاعتقال الإداري ، وبدأت الأجهزة الأمنية بتجميع المعلومات عن نشاطاته داخل السجن وبدأت بتلفيق تهم له ليتم محاكمته من جديد ، وبالرغم من أن الأجهزة الأمنية قد أعادت الشيخ صالح عدة مرات إلى مراكز التحقيق والتعذيب وقد أبدى صموداً منقطع النظير تحطمت على صخرة صموده ومعنوياته العالية كل أحلام رجال الأمن والمخابرات ، وبعد اعتقال إداري تم إعادة محاكمته مرة أخرى وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكماً جائراً لمدة خمس سنوات ومع انتهاء هذه الفترة عام 2003 تمّ تحويله إلى الاعتقال الإداري مرة أخرى وقبل أن يتنسم هواء الحرية ، حيث كان من المفروض الإفراج عنه يوم 4-5-2003 ولكن سيف الاعتقال الإداري الذي يستند إلى قناعة المخابرات و موقف المخابرات للانتقام من الشيخ صالح كمؤسس لجهاز حماس العسكري الذي أوجع الاحتلال كثيراً على مدار السنوات الماضية لقد أرادت المخابرات الإسرائيلية تصفية حساباتها مع أبي محمد وبقي في الاعتقال الإداري حتى تاريخ 11-3-2007 حيث أمضى حوالي خمسة عشر عاماً في الاعتقال وكانت الأجهزة الأمنية وفي كل مرة تلفق لائحة اتهام لأبي محمد لأنه لم يعترف بأيٍ من التهم الموجهة له والتي على رأسها تأسيس الجهاز العسكري لحماس في الضفة الغربية ، وإيواء ومساعدة مطلوبين وحيازة أسلحة ومواد ممنوعة.