مما لا شك فيه أن التقرير الذي بثته قنـاة الجزيرة القطـرية لفضح جرائم الاحتلال في مدينة القدس المحتلة عبر سيـاسية هدم المنـازل وتفريغ المدينة من أهلها الأصليين كان المثل الأنسب لهذا العنوان, فليس شعب غزة وعائلاته الصـابرة التي فقدت منازلها, وحدهم الذين يستقبلون الشتـاء في العراء هذا العـام, وإنمـا يشـاطرهم في القدس إخوان شردتهم آلة الحرب والتخريب فباتوا بلا مأوى, وكأنه مكتوب على أهل فلسطين ألا مستقر ولا قرار.
ما يجري في القدس المحتلة من تدمير للبيوت وهدم للمنـازل أمـام أعين أصحـابها, يذكرنا بالمشـهد العدواني الذي كان لغزة نصيب وافر فيه, عندما كانت الطائرات الحربية تغير بما تحمل من قنـابل وصواريخ على بيوت الآمنين فتنسفها نسفا.. والفرق بسيط.. ففي القدس آلة التخريب هي الجرافة والبلدوزرات, أما في غزة فالطـائرة والصـاروخ.
ولربما كان دوي صواريخ الطـائرات أعلى من هدير جرافات الاحتـلال, لكن في المقـابل يبقى ألم المواطن على درجة واحدة, وأعتقد أن في غزة من يشـاطر أصحـاب تلك البيوت المأساة, أمـا هنـاك فمن لهم بعد الله؟ وهنـا عتبي على الإعلام الفلسطيني في فضح جرائم الاحتـلال أنه لم يدرك حقيقة الموقف حتى الآن, فما يجري في القدس المحتلة هو نفسه الذي يجرى في غزة, وربما ذلك أصعب بكثير لمكانتها الروحية العظيمة في نفوس المسلمين قاطبة، باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام.
لقد بدا واضحا أن الكيان الصهيوني لديه مخطط واضح يسير عليه, مدعوما أمريكيًّا وأوربيا وهذا ما أعلنه المسئول الصهيوني الذي قـال: "إننا توصلنا إلى آلية تم التوافق عليها مع أوباما في ملف المستوطنات", ولم تُوضح تلك المسألة حتى الآن من الطرف الأخير, ما يفسر عمليا انطلاق مشاريع جديدة لاغتصاب الأرض بالضفة قبيل زيارة هيلاري كلينتون وزيرة الخـارجية الأمريكية, وتسارع وتيرة عمليات الهدم والإخلاء لمنازل الفلسطينيين في القدس المحتلة, ونفهم من ذلك كله أن العدو الصهيوني يعمل جـاهدا على حسم المدينة جغرافيا وفرض سياسة الأمر الواقع مثلما حسمها سياسيا, فالعدو أكد أكثر من مرة أن القدس خـارج أي مفـاوضـات سياسية, ولا يُقبل التفـاوض عليها أصلا, فهي عـاصمة توراتية لليهود كما يزعمون.
وللأسف الشديد لا تزال السلطة الفلسطينية تأمل في إقناع الصهاينة بالكف عن بطشهم ولا حياة لمن تنادي! ألم يقتنع عباس وفريقه أن الصهاينة لا تجدي معهم المفاوضات, ولماذا تجدي, وهم الآمر والناهي, يصولون ويجولون في القدس وغيرها والكل يتفرج, والواقع أن المتـابع للمشهد الفلسطيني الراهن يرى أن أسلوب السلطة العبثي (المفاوضات) فتح شهية الاحتلال للتوغل في دمائنا وأعراضنا؟ أين هم من هذه المجزرة؟ لمـاذا لا تثـار هذه القضية في أروقة السـاسة, بدلا من التمسك بسلطة كـاذبة لا فـائدة منها سوى إضـاعة الوقت وتمييع الحق؟ ما فـائدة البكـاء على قدسية المسجد الأقصى وأهل الأقصى مضطهدون؟ ما فائدة الأرض بلا شعب؟ من سيحمي الأقصى ويحـافظ على الأرض والصخرة؟ أليس هم أصحـاب الأرض الذين يجب أن ندعمهم بالمـال والسـلاح والكلمة؟ إذا كانت غزة الجريحة محاصرة ولا يستطيع رجال السلطة – بزعمهم - إدخـال مواد البنـاء وإعـادة الإعمار بسبب أو بدون؟ فأين الأموال التي جمعت من أجل الإعمـار من بيوت القدس وأهل الأقصى؟
ليس غريبا أن نسمع شهـادات حية من سكـان المدينة المقدسة, تدين صمت السلطة الهزيل تجـاه ما يجري من تطهير عرقي حـاصل, لعل هذه السلطة تستحي من عجزها وضعفها وتحرك ساكنا، وقديماً قال الشاعر:
فــلا والله ما في العيـش خير *** ولا الدنيـا إذا ذهـب الحيـاءُ
يعيش المرء ما استحيا بخـير *** ويبقى العـود ما بقـي اللحاءُ
وإنه لمن السماجة أن تدير السلطة ظهرها لاستقالة حـاتم عبد القـادر مسئول ملف القدس في حركة فتح من موقعه كوزير بسبب تقصيرها الواضح في دعم القدس وأهلها, فباتت لا تأبه بما يجري لأهلها من ممارسات إجرامية, وما شهـادة الأم العجوز المقدسية عنـا ببعيد؛ إذ قـالت وهي تفترش الأرض وتلتحف السمـاء بعد أن طردها الاحتلال من بيتها قصرا: "إننا كنا بحـاجة إلى مـال من السلطة لدفع الضريبة المستحقة, ولكنها لم تفِ بوعدها فكـان القرار الإخـلاء والهـدم".
صحيح أن البطش الصهيوني لا يجابه بالأساليب التقليدية, ولكن يمكن التغلب عليه بأساليب أخرى, هذا إذا رغبت السلطة في استرجاع جزء مما ضاع, وإلا ستستمر في النقش على الصخر.
لا بد من العودة إلى الكفاح المسلح وترك العنـان للمقـاومين والرجوع إلى عهد الأحزمة الناسفة وعمليات الكر والفر لكسر القوة المفرطة للعدو, في ظل تخـاذل عربي مهين, وتواطؤ سلطوي واضح المعـالم, وهذه الأمور يجب أن تتم في ظل وحدة الفصائل الفلسطينية المقـاومة التي شددت مؤخرا على ضرورة التحرك الفعلي للرد على جرائم الاحتلال في القدس بكل الوسـائل, وهذا ما نتوق إليه منذ زمن؛ أن نرى أشـلاء الصهـاينة تتطـاير في شوارع القدس وأزقتها ليعلموا جيدا أن العين بالعين والسن بالسن والبـادي أظلم.
الخـلاصة.. إن القواسم المشتركة بين غزة والضفة والقدس كثيرة أبرزها الظلم الذي يعـاني منه الفلسطينيون منذ عـام 1948م, والثـانية صمود شعب مصمم على البقـاء في وجه آلة إجرامية لا تفرق بين فلسطيني وأخيه.. وبين هذه وتلك يبقى خيـار المقـاومة مشرعا لاسترداد الحق ورفع الظلم.
بقلم: محمد سلامة