يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالاً ينفقه في الحق ، ورجل آتاه الله القرآن ؛ فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار)، إنها الغبطة أو الحسد المحمود، الذي يرشدنا إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وفيه دعوة للحث على الإنفاق في سبيل الله وفي الحق وأبواب ذلك كثيرة وهي دعوة للتنافس بين الناس ومزاحمة بعضهم البعض، الأمر الثاني هو القرآن الكريم، في حفظه وتلاوته وتعليمه والتعبد به، أول أمس شعرت بالغبطة الشديدة لهؤلاء الأطفال والأشبال والشباب من الجنسين وهم يجلسون في حلق حفظ القرآن الكريم في مساجد قطاع غزة.
قدر الله لي أن أزور عدداً من هذه المساجد التي تحولت إلى خلايا من النحل، حلق بجوار بعضها البعض وكل منهم منهمك في حفظ كتاب الله، تركوا اللهو واللعب ولجؤوا إلى ما هو أفضل بكثير، شعرت وأنا أتجول بين هؤلاء الأطفال أنني أحسدهم على هذا الوضع المشرف الذي هم عليه، حتى أنني قلت لهم أنكم أصحاب حظ كبير، وأنكم وجدتم من يرعاكم ويسهل لكم حفظ كتاب الله في ستين يوماً، هذا ما حرمنا منه يوم أن كنا في سنكم ولم نجد حتى من يأخذ بأيدينا إلى المساجد للصلاة أو يعلمنا أركانها وفروضها وسننها، حتى اعوج لساننا ولم نقدر على قراءة القرآن بشكل صحيح إلا بعد أن مضى من عمرنا عشرات السنين، اليوم انتم ترعاكم مؤسسات عريقة تمكنكم من حفظ كتاب الله.
يا له من موقف شعرت أمامه كم هؤلاء الأطفال كبار وهم في مصانع الرجال، مصانع جيل النصر، يذهبون لصلاة الفجر، ثم ينكبون في حلقهم على كتاب الله لحفظ عشر صفحات في اليوم الواحد، حتى أن منهم من حفظ في الأسبوع الأول من مخيمات حفظ القرآن الكريم تسعة أجزاء وعشرة ومنهم من يحفظ خمسة أو أربعة وهم مستمرون في حفظ المزيد من الأجزاء وصولاً لحفظ كتاب الله، على غرار ما كان في العام الماضي حيث تم فيه تخريج خمسة آلاف حافظ لكتاب الله، وهذا العام قد يصل العدد إلى ضعف العام الماضي.
مهما تحدثنا في هذا الموضوع فلن نوفي هؤلاء الرجال والأمهات حقهم، وشعرت أمامهم كم نحن مقصرون، وكم قصر في حقنا المسئولون، أما اليوم فهناك تغيير واضح وتنافس شديد نحو الخير، وهل هناك خير أكثر من حفظ كتاب الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه) خير لا يعدله شيء في هذه الدنيا ونور يوم القيامة وفيه تاج الوقار يتوشحه آباء وأمهات هؤلاء الرجال الياقوتة الواحدة في تاج الوقار خير من حمر النعم أو أفضل مما طلعت عليه الشمس.
مغبوطون أنتم يا أولياء أمور هؤلاء الرجال، عندما تلبسون تاج الوقار على أيدي أبنائكم، عندها يتمنى كل الآباء والأمهات أن يكونوا مكانكم، والفرصة لازالت أمامهم وبإمكانهم أن يرتدوا هذا التاج، والمطلوب فقط هو أن ندفع بأبنائنا إلى مصانع الرجال هذه المنتشرة في طول القطاع وعرضه، من هنا ندعو بقية أولياء الأمور أن يدفعوا بأبنائهم إلى بيوت الله المساجد حتى يكون لهم نصيب في هذا الخير العظيم وحتى يساهموا في صناعة رجال القرآن الكريم وحفظته ويحققوا نبوءة الإمام الشهيد الشيخ أحمد ياسين بأن هذا الجيل هو جيل النصر، وجيل النصر يجب أن يتسلح بأهم سلاح وهو حفظ كتاب الله في الصدور وتطبيقه في الحياة، عندها سيكون الانتظار لنصر من الله قريب، والله تعالى يقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد : 7].
وإن كان هناك من شكر فهو شكر إلى رئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية ووزارة الأوقاف في حكومته على ما تبذله من جهد في هذا المجال، والشكر موصول إلى دار القرآن الكريم والسنة وشقيقاتها من الجمعيات التي ترعى هذه المخيمات المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية وجمعية الصلاح وقد لا أستطيع حصر هذه الجهات التي ترعى هذه المصانع الخيرة والنيرة في المجتمع الفلسطيني فالشكر للجميع.
والشكر موصول إلى من أغمض يده في جيبه ولم تعلم شماله ما أنفقت يمينه في هذا الباب العظيم وسينالهم الأجر العظيم على هذا الإنفاق الذي سيرد إليهم أضعافا في الدنيا وحسن جزاء في الآخرة.
وأختم بالشكر الجزيل للمحفظين والمحفظات والمشرفين والمشرفات والإداريين الذين يبذلون قصارى جهدهم من أجل إنجاح هذا المشروع الكبير، ونرجو أن ينفعنا به ويحفظنا بحفظ كتابه الكريم.
...
]بقلم: مصطفى الصواف